الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الهند تفرض حظراً تجارياً شاملاً على باكستان رداً على هجوم كشمير والبلدان النوويان يقطعان العلاقات

الاقتصاد العالمي | بقش

في خطوة تعكس تصعيداً خطيراً للتوترات بين الجارتين النوويتين، فرضت الهند حظراً شاملاً وفورياً على استيراد كافة أنواع السلع القادمة من باكستان أو حتى تلك التي تمر عبر أراضيها، ويأتي هذا القرار كإجراء انتقامي مباشر في أعقاب هجوم خطير وقع الشهر الماضي في الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من إقليم كشمير المتنازع عليه، والذي تلقي نيودلهي باللوم فيه على إسلام آباد.

وأصدرت المديرية العامة للتجارة الخارجية في الهند إشعاراً رسمياً، يوم الجمعة الماضي، يؤكد دخول قرار الحظر حيز التنفيذ فوراً. وأوضح الإشعار أن “هذا الحظر فُرض لحماية الأمن القومي والسياسة العامة”، مشدداً على أن أي استثناء يتطلب موافقة مسبقة من الحكومة الهندية. ويمثل هذا الإغلاق التجاري الكامل ضربة قاصمة للعلاقات الاقتصادية الهشة أصلاً بين البلدين.

جاء القرار الهندي في أعقاب الهجوم الذي وقع في 22 أبريل الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 24 شخصاً، معظمهم من السياح، في كشمير الهندية، واتهمت حكومة رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” باكستان بالضلوع المباشر في الهجوم، وتوعد وزير خارجيته، “سوبرامانيام جايشانكار”، هذا الأسبوع بأن “منفذي الهجوم وداعميه ومخططيه يجب أن يُقدموا إلى العدالة”.

ولم يقتصر الرد الهندي على الحظر التجاري، بل شمل حزمة إجراءات عقابية قاسية تهدف لعزل باكستان، تضمنت تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الحيوية الموقعة عام 1960، وإلغاء تأشيرات دخول الباكستانيين المقيمين في الهند، وطرد الدبلوماسيين الباكستانيين، وفرض قيود على استخدام مجالها الجوي.

من جانبها، نفت باكستان بشدة أي علاقة لها بالهجوم، وحذرت من مغبة لجوء الهند إلى الخيار العسكري، مؤكدة أنها سترد بحزم. وفي إجراءات انتقامية مماثلة، أعلنت إسلام آباد عن وقف جميع أشكال التبادل التجاري مع الهند، وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وطرد الدبلوماسيين الهنود.

كما وجهت تحذيراً شديد اللهجة بأن أي مساس بتدفقات المياه المتفق عليها في معاهدة السند سيُعتبر بمثابة “عمل حربي”.

انهيار شبه كامل للتجارة البينية

تأتي هذه القطيعة التجارية الكاملة على خلفية تدهور حاد ومستمر في التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة. وتُظهر بيانات وزارة التجارة الهندية حجم هذا التراجع؛ حيث بلغت قيمة واردات الهند من باكستان مبلغاً ضئيلاً جداً يقدر بنحو 420 ألف دولار أمريكي فقط خلال الفترة من أبريل 2024 إلى يناير 2025، مقارنة بـ 2.86 مليون دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

وفي المقابل، انخفضت صادرات الهند إلى باكستان بشكل كبير أيضاً، حيث سجلت 447.7 مليون دولار خلال نفس الفترة (أبريل 2024 – يناير 2025)، بعد أن كانت قد بلغت 1.1 مليار دولار في العام السابق له. وتشير هذه الأرقام إلى أن العلاقات التجارية كانت بالفعل في أدنى مستوياتها حتى قبل الإجراءات الأخيرة التي أوقفتها تماماً.

أثارت هذه التطورات المتسارعة قلقاً دولياً، خاصة بالنظر إلى أن كلا البلدين يمتلك أسلحة نووية. وقد حث مسؤولون أمريكيون بارزون، من بينهم نائب الرئيس “جيه دي فانس” ووزير الخارجية “ماركو روبيو”، الطرفين على ضبط النفس والعمل على التهدئة لتجنب أي تصعيد قد يزعزع استقرار المنطقة بشكل خطير.

الصراع الهندي الباكستاني والأبعاد الدولية

إن التوتر الحالي بين الهند وباكستان ليس مجرد نزاع ثنائي، بل هو جزء من مشهد جيوسياسي معقد تتداخل فيه مصالح القوى العالمية الكبرى، وتحديداً الصين والولايات المتحدة. فالصراع الممتد لعقود حول إقليم كشمير، بالإضافة إلى القضايا الأمنية الأخرى، يستمد جزءاً من زخمه وديمومته من الدعم الذي يتلقاه كل طرف من حلفائه الدوليين.

تُعتبر الصين الحليف الاستراتيجي الأبرز لباكستان، وتربطهما علاقة وثيقة توصف بـ”الصداقة لكل الفصول”. ويتجلى الدعم الصيني في مجالات متعددة، أهمها التعاون العسكري، حيث تُعد بكين المورد الرئيسي للأسلحة والمعدات المتطورة للجيش الباكستاني.

كما يمثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، وهو جزء محوري من مبادرة الحزام والطريق الصينية، استثماراً ضخماً يهدف لربط غرب الصين بالمحيط الهندي عبر باكستان، مما يعزز الأهمية الاستراتيجية لإسلام آباد بالنسبة لبكين.

وتوفر الصين أيضاً غطاءً دبلوماسياً لباكستان في المحافل الدولية، غالباً في القضايا المتعلقة بكشمير، وترى في باكستان ثقلاً موازياً مهماً للنفوذ الهندي المتنامي في المنطقة.

في المقابل، تحتفظ الولايات المتحدة بعلاقات معقدة ومتغيرة مع كلا البلدين. ففي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الأمريكية الهندية تطوراً استراتيجياً كبيراً، حيث تنظر واشنطن إلى نيودلهي كشريك ديمقراطي أساسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وكقوة موازنة للصعود الصيني.

ويشمل هذا التقارب تعاوناً دفاعياً متزايداً ومبيعات أسلحة أمريكية للهند، وفي الوقت نفسه، لا تزال الولايات المتحدة تحافظ على علاقة مع باكستان، وإن كانت تشوبها التوترات أحياناً، وذلك لأهميتها في قضايا مكافحة الإرهاب واستقرار أفغانستان، ولكونها دولة نووية.

وغالباً ما تجد واشنطن نفسها في موقف حرج تحاول فيه تحقيق التوازن بين دعم شراكتها المتنامية مع الهند والحفاظ على درجة من النفوذ لدى باكستان، وعادة ما تدعو الطرفين لضبط النفس خلال الأزمات.

إن هذا التشابك الدولي يعني أن أي تصعيد كبير بين الهند وباكستان لا يقتصر تأثيره على البلدين فقط، بل يضع القوى الكبرى، خاصة واشنطن وبكين، في موقف يتطلب منها التدخل أو اتخاذ مواقف قد تزيد من تعقيد الأزمة.

فالدعم الصيني يعزز الموقف الباكستاني، بينما الشراكة الأمريكية تقوي الهند، مما يجعل إيجاد حلول دائمة للنزاع أمراً بالغ الصعوبة ويرفع من مخاطر أي مواجهة عسكرية محتملة.

يقف جنوب آسيا مرة أخرى على حافة الهاوية، مع إغلاق الهند وباكستان لحدودهما التجارية وقطع علاقاتهما الدبلوماسية. وتُعد الأزمة الحالية، التي أشعلها هجوم كشمير، الأخطر منذ سنوات، وتأتي في سياق تاريخي طويل من العداء، مدعوماً بديناميكيات القوى العظمى التي تلعب دوراً لا يمكن إغفاله، وتبقى الدعوات الدولية لضبط النفس والتهدئة أملاً في تجنب انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع نطاقاً يصعب احتواء تداعياتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش