أخبار الشحن
أخر الأخبار

الأمن البحري في البحر الأحمر يتوقف على إنهاء حرب غزة لا على التحالفات العسكرية

أخبار الشحن | بقش

في الوقت الذي يجتمع فيه مفاوضون عن إسرائيل وحركة حماس في القاهرة لمناقشة مقترح أمريكي لوقف الحرب في غزة، تقف مئات الناقلات البحرية الكبرى في حالة ترقّب عند بوابات البحر الأحمر وقناة السويس، في انتظار ما إذا كانت أي تسوية سياسية مرتقبة ستعيد الحيوية إلى واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم.

لكن رغم الزخم الدبلوماسي، لا تزال المعادلة الأمنية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحرب في غزة، وليس فقط بالمفاوضات الجارية. فالجهة الفاعلة الرئيسية في البحر الأحمر -قوات صنعاء- نفذت منذ مطلع 2024 عشرات الهجمات البحرية ضمن ما تعتبره «معركة إسناد ودعم لغزة»، للضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة. غير أن ردّ المجتمع الدولي تمحور حول تشكيل تحالف عسكري ضد اليمن، بدلاً من معالجة السبب الجذري للأزمة: استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع.

قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن حوالي 90% من الاتفاق الأمريكي قد تم التوصل إليه، مع بقاء تفاصيل تتعلق بالانسحاب التدريجي وتبادل الأسرى. هذه التصريحات رفعت سقف التوقعات بقرب التوصل إلى وقف إطلاق نار. لكن بالنسبة لشركات الملاحة، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في التوقيع على الورق، بل في ضمانات الأمن البحري على الأرض.

ومنذ أواخر عام 2023، دفعت الهجمات التي نفذتها قوات صنعاء ضد السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها شركات النقل الكبرى إلى تغيير مساراتها بعيداً عن البحر الأحمر. وجاءت هذه الهجمات في سياق ما وصفته حكومة صنعاء بأنه «واجب قومي وديني لنصرة غزة»، عبر استهداف شريان تجاري دولي تستخدمه إسرائيل وداعموها، بهدف خلق ضغط اقتصادي وسياسي حقيقي لإجبار تل أبيب على وقف عملياتها العسكرية.

بدلاً من أن يوجه المجتمع الدولي جهوده نحو وقف الحرب الإسرائيلية، اختارت الولايات المتحدة وعدد من الدول تشكيل تحالف عسكري لحماية السفن في البحر الأحمر، وهو تحالف أثبت محدودية قدرته على إعادة الاستقرار للممر الملاحي. والنتيجة: ممر حيوي للتجارة العالمية أصبح رهينة للمعادلة السياسية والعسكرية في غزة.

نزيف قناة السويس وتحولات كبرى في الملاحة العالمية

الأثر الاقتصادي للأزمة كان عميقاً وسريعاً. فقد انخفضت حركة السفن عبر قناة السويس من 75 سفينة يومياً قبل الحرب إلى 32 فقط حالياً، أي بتراجع يفوق 57% وفق تتبُّع مرصد “بقش”. وأكد رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع أن إيرادات الحاويات تراجعت بنسبة تقارب 60% خلال الأشهر الأخيرة، وهو أكبر انخفاض منذ عقود.

هذا التحول القسري أجبر شركات الشحن العملاقة على اتخاذ قرار مكلف: التحول إلى المسارات البديلة عبر رأس الرجاء الصالح والقرن الإفريقي، ما يزيد من مدة الرحلات وتكاليفها التشغيلية ويعيد رسم الخريطة البحرية العالمية مؤقتاً. هذه التحويلات، التي بدأت كإجراء احترازي في مطلع 2024، أصبحت الآن قاعدة تشغيلية مستمرة طوال عامي 2024 و2025.

أنتجت هذه التحويلات مليارات الدولارات من الأرباح غير المتوقعة لشركات النقل في عام 2024، مستفيدة من ارتفاع أسعار الشحن عبر الطرق البديلة حسب قراءة بقش. غير أن سياسة التعريفة الجمركية المستمرة لإدارة ترامب، والتي تهدف إلى إعادة هندسة التجارة العالمية، قوضت الأعمال التجارية على الطريق القياسي عبر المحيط الهادئ المتجه شرقاً، وأضعفت الطلب إلى مستويات لم تُسجّل منذ 2023. ونتيجة لذلك، بدأت شركات النقل بتغيير الحمولة وتفريغ الرحلات في محاولة عدوانية لإدارة السعة وتحقيق التوازن في الإيرادات.

في حين وفرت القوات البحرية الأمريكية والأوروبية مرافقة للسفن، فإن الحملات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر -سواء في عهد بايدن أو لاحقاً إدارة ترامب- فشلت في تحييد قدرات الحوثيين.

بل إن البحرية الأمريكية نفسها تعرضت لسلسلة من الحوادث اللافتة؛ فقد أسقطت بطريق الخطأ طائرة مقاتلة أمريكية في ديسمبر 2024، وفقدت طائرتين أخريين في البحر: واحدة أثناء مناورة طارئة لتفادي هجوم حوثي، وأخرى نتيجة فشل في الهبوط على متن حاملة طائرات.

في عام 2025، صعّدت قوات صنعاء من هجماتها البحرية، فأغرقت سفينتين تجاريتين على الأقل وألحقت خسائر في صفوف الأطقم الدولية. وتضمنت هذه الموجة هجمات منسقة متطورة شملت صواريخ، وقوارب مسيّرة، وطائرات بدون طيار، استهدفت عدة سفن ترتبط بالملاحة الإسرائيلية، مع اتهامات باستهداف سفن ليس لها علاقة. كما واصلت استهداف إسرائيل بصواريخ بعيدة المدى، في رسائل واضحة بأن الضغط البحري سيستمر ما دامت الحرب قائمة.

هذه المعطيات عززت قناعة شركات الشحن بأن الحل العسكري لن يضمن مروراً آمناً في البحر الأحمر، وأن الممر سيظل عرضة للتقلبات الجيوسياسية حتى يتغير الوضع السياسي في غزة.

شركات الشحن وشركات التأمين: الأمن أولاً… لا عودة قبل الاستقرار

قال فنسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة «ميرسك»، إن الشركات لن تعود إلى البحر الأحمر حتى يتم استعادة الأمن بشكل موثوق، مؤكداً أن المخاطر على الطواقم والسفن لا تزال مرتفعة بشكل غير مقبول. الموقف نفسه تبنته شركة «MSC»، أكبر شركة شحن في العالم، التي حذرت وفق اطلاع بقش من أي عودة سريعة ما لم يتحقق تحسن ملموس في الوضع الأمني.

جيريمي نيكسون، الرئيس التنفيذي لشركة «أوشن نتوورك إكسبريس»، أشار بدوره إلى أن التحالفات الملاحية تواجه رياحاً معاكسة طوال العام، بفعل عدم اليقين الجيوسياسي في البحر الأحمر، متوقعاً استمرار التحويلات عبر رأس الرجاء الصالح.

من جانبها، رفعت شركات التأمين ونوادي الحماية والتعويض (P&I) -التي يتتبَّع بقش تحديثاتها- أقساط التأمين على السفن المارة في البحر الأحمر وعدلت شروط التغطية، وأدرجت استثناءات جديدة تتعلق بما سُمي «حرب البحر الأحمر» في عقود إعادة التأمين، ما يعكس عمق القلق من استمرار التهديدات.

ما يجري في البحر الأحمر ليس أزمة ملاحية منفصلة، بل انعكاس مباشر لحرب غزة وسياسات المجتمع الدولي تجاهها. فالهجمات البحرية التي نفذتها قوات صنعاء جاءت في سياق واضح: الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، في وقت تجاهلت فيه القوى الكبرى السبب الجذري وركّزت على العَرَض العسكري.

كان الأجدر بالدول التي سارعت إلى تشكيل تحالفات بحرية أن تضغط سياسياً ودبلوماسياً على إسرائيل لإنهاء حربها، وهو ما كان سيؤدي عملياً إلى إعادة الاستقرار للممر الملاحي الحيوي بشكل أسرع وأقل تكلفة من الحلول العسكرية.

حتى الآن، تبقى عودة خطوط الحاويات الكبرى إلى البحر الأحمر رهناً بإنهاء الحرب في غزة، لا باتفاقات تأمين عسكرية أو ممرات مؤقتة. فالأمن البحري لن يُستعاد ما لم تُعالج جذور الأزمة السياسية التي أشعلت شرارتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش