
تقارير | بقش
أعلنت إسرائيل السيطرة على جميع سفن وقوارب أسطول الصمود العالمي واعتقال كافة النشطاء في سفينة حربية إسرائيلية، تمهيداً لترحيلهم إلى أوروبا، وذلك بعد أن اعترضت البحرية الإسرائيلية الأسطول وأمرت بالتوجه إلى ميناء أسدود. وحدث الاعتراض والاعتقال رغم تأكيد النشطاء (وعددهم نحو 500) على أن الأسطول قافلة سلمية غير عنيفة تحمل مواد غذائية، حليب أطفال أدوية، ومتطوعين من 47 دولة.
وارتبك المشهد العالمي أمس الأربعاء بعد أن أبلغ منظمو الأسطول تعرض عدد من القوارب لاعتراض من قبل البحرية الإسرائيلية على بعد نحو 70 ميلاً بحرياً من غزة، وتم تحويل القوارب إلى ميناء أسدود وإيقاف الناشطين. واستنكر منظمو الأسطول “الهجوم غير القانوني على نشطاء إغاثة عُزّل”، ودعوا “الحكومات وقادة العالم والمؤسسات الدولية إلى المطالبة بالحفاظ على سلامة جميع الموجودين على متن المراكب وإطلاق سراحهم”. فيما قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية اليوم إنها سترحل جميع الناشطين الذين كانوا على متن سفن الأسطول إلى أوروبا.
رغم ذلك أُعلن اليوم عن دخول سفينة “ميكينو” إلى المياه الإقليمية لغزة، وأن السفينة تجاوزت الحصار ودخلت المياه الإقليمية وفق متابعة بقش. وقالت عضو الوفد التركي بأسطول الصمود تولاي غوكتشيمن إن “ميكينو” لم تتعرض لأي تدخل “لكن بعد اقتراب قارب إسرائيلي، ألقى النشطاء هواتفهم بعيداً واستمروا في طريقهم لأن السفينة كانت صغيرة”.
منظمو القافلة قالوا إن البحرية الإسرائيلية أوقفت قوارب بواسطة حاجز يشبه السلسلة في المياه الدولية، حيث لا تملك إسرائيل أي ولاية قضائية، تماماً كما لا تملك أي ولاية على مياه غزة وساحلها، مما يفاقم جرائم الحرب والحصار غير القانوني المستمر الذي تفرضه إسرائيل.
ودولياً وُصف الانتهاك الإسرائيلي بأنه “جريمة حرب”، بينما بررت إسرائيل تصرفها بأنه يتوافق مع فرض سيطرتها على أمن شواطئها ومنع كسر الحصار البحري على غزة.
يثير اعتراض الأسطول مناقشات حول مشروعية الإجراءات الإسرائيلية في المياه الدولية المتنازع عليها، ومسؤولية إسرائيل عن سلامة المحتجزين، واحتمالات رفع دعاوى أمام محاكم دولية أو منظمات حقوقية، ويصف خبراء قانونيون الخيارات أمام إسرائيل بأنها صعبة بين تطبيق الأمن الوطني وتجنّب أزمة دبلوماسية واسعة.
وتشير تحليلات إلى إمكانية إطلاق عقوبات دبلوماسية (سحب سفراء، تقييد تعاون عسكري أو تجاري مؤقت) من دول المستهدفين، وتنبّه التقارير بأن ثمة خطوات دبلوماسية متوقعة قادمة، في حين تستبعد تقارير معاقبة إسرائيل دولياً بالشكل المطلوب رغم ثبوت عدم الاحترام الأدنى للقوانين الدولية من قِبل الاحتلال.
ردود فعل دولية
في ردود الفعل، استدعت إسبانيا القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في مدريد، ويبلغ عدد النشطاء الإسبان 65 إسبانياً كانوا على متن الأسطول. بينما عبّرت بريطانيا عن “قلقها البالغ” ودعت إلى تسليم المساعدات التي يحملها الأسطول إلى المنظمات الإنسانية على الأرض لإيصالها إلى غزة، وقالت أستراليا إنها على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة القنصلية لمواطنيها الذين كانوا على متنه.
ووصفت تركيا اعتراض إسرائيل للأسطول بأنه “عمل إرهابي” وانتهاك جسيم للقانون الدولي، كما نددت ماليزيا بشدة بـ”عرقلة مهمة إنسانية أظهرت ازدراءً إسرائيلياً تاماً لضمير العالم”، مشيرة إلى أن إسرائيل احتجزت 23 شخصاً ماليزياً.
كما دعت جنوب أفريقيا إلى الإفراج الفوري عن “المخطوفين” من أسطول الصمود العالمي، معتبرة أن اعتراض سفن الأسطول في المياه الدولية، قبالة سواحل غزة، يؤكد استمرار إسرائيل في انتهاك القانون الدولي.
أما الرئيس الكولومبي جوستابو بيترو، فكان صاحب الموقف الأكبر تجاه إسرائيل، حيث قام بطرد كامل الوفد الدبلوماسي الإسرائيلي، بعد احتجاز “كولومبيَّين اثنَين” من المشاركين في الأسطول، وتشير مراجعات بقش إلى أنه ليس لدى إسرائيل سفير في كولومبيا منذ العام الماضي.
ووصف بيترو اعتقال مواطنيه بأنها “جريمة دولية جديدة” محتملة يرتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وطالب بالإفراج عنهما. وأنهى كذلك اتفاقية التجارة الحرة بين بلاده وإسرائيل.
الموقف الإيطالي
لكن في المقابل انتقدت رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني أسطول الصمود، اليوم الخميس، وقالت إن “مهمة النشطاء والإضراب الذي دُعي إليه في إيطاليا دعماً لهم لن يقدما شيئاً لمساعدة الفلسطينيين”.
وجرى اعتقال أكثر من 22 إيطالياً، وتقول تقارير إن عددهم يبلغ 40 إيطالياً، وهو ما قلب الشارع الإيطالي.
فقد دعت نقابات إيطالية إلى إضراب عام تضامناً مع الأسطول، يوم الجمعة، في حين خرجت احتجاجات بعدد من المدن بعد انتشار أنباء عن اعتراض السفن.
وفي جنوب مدينة نابولي، اقتحم متظاهرون المحطة الرئيسية للسكك الحديدية وأوقفوا حركة القطارات، بينما حاصرت الشرطة محطة تيرميني في روما بعد أن تجمع متظاهرون بالقرب من مداخلها.
وفي مدينة جنوة بشمال غرب البلاد، أعلن اتحاد النقابات العمالية اعتزامه إغلاق الميناء، ودعا جميع المتظاهرين إلى التجمع عند أحد المداخل الرئيسية، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، لم يسمح عمال الموانئ الإيطاليون المحتجون لعدد من السفن بالرسو والتحميل حسب متابعات بقش، مستهدفين سفناً أكدوا أنها ترتبط بعلاقات تجارية مع إسرائيل.
المجاعة في غزة
حدث ذلك بينما يبقى قطاع غزة رهن المجاعة والأمراض التي تتفشى، وواقع النزوح والجوع والقهر الذي لا يهدأ، بفعل الجريمة الإسرائيلية الكاملة، وبدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي حين تكاد الحرب تدخل عامها الثالث، يستمر تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة وسط قتل العشرات يومياً، ويواصل الاحتلال منع دخول الغذاء لسكان القطاع بكميات تكفيهم لسد حاجتهم اليومية.
وارتفعت حصيلة شهداء المجاعة إلى أكثر من 455 شخصاً، بعد تسجيل حالات جديدة. وحذّرت غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في المحافظات الجنوبية من تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، مؤكدة أن الوقت ينفد وأن الجوع وسوء التغذية أصبحا عنوان المرحلة الراهنة.
عبّرت الغرفة في بيان لها اطلع عليه بقش، اليوم الخميس، عن أسفها الشديد لارتفاع أعداد الوفيات اليومية بسبب المجاعة وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال، مع تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية، وأشارت إلى أنّ 21 من أصل 50 مركزاً لعلاج سوء التغذية توقفت عن العمل كلياً بفعل القصف المتواصل والاجتياح البري والنزوح الجماعي، فيما يحتاج المواطنون إلى كميات كبيرة ومضاعفة من المساعدات الغذائية، خصوصاً في شمال القطاع.
وأدى النزوح نحو غرب غزة إلى تعطّل خدمات ضخ المياه وجمع النفايات، ما تسبب بتراكمها قرب أماكن النازحين وزاد من مخاطر انتشار الأوبئة، في حين استُهلكت سريعاً المبالغ النقدية المقدمة لنحو 140 ألف شخص عبر المحافظ الإلكترونية بسبب غلاء الأسعار ونقص السلع.
وبين تفاقم المجاعة في غزة ومنع الاحتلال الأسطول من الوصول لكسر الحصار عن القطاع، تزداد الصورة الإسرائيلية وضوحاً: لا احترام للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي لا تزال فيه الدول العربية والإسلامية عاجزة عن اتخاذ موقف تجاه الاحتلال.