تقارير
أخر الأخبار

من القمة إلى الانهيار.. شطب “إيفرغراند” من البورصة يطيح بآخر رموز الطفرة العقارية الصينية

تقارير | بقش

قبل 15 عاماً، كانت مجموعة تشاينا إيفرغراند عنوان الطموح في سوق العقارات الصينية؛ طرحت أسهمها في بورصة هونغ كونغ عام 2009 بقيمة تسعة مليارات دولار، لتقفز قيمتها لاحقاً إلى أكثر من 50 مليار دولار في ذروة مجدها، لكن قصة الصعود السريع انتهت بتهاوٍ مدوٍ، إذ شُطبت الشركة هذا الأسبوع من البورصة، بقيمة سوقية لا تتجاوز 282 مليون دولار فقط.

رحلة إيفرغراند تختصر تحولات القطاع العقاري الصيني نفسه؛ من نموذج للتوسع المفرط المدعوم بالديون إلى حالة انهيار شبه كامل، فبعد أن وصل سهم الشركة إلى ذروته عند 31.39 دولار هونغ كونغ، لم يتجاوز سعره في آخر جلسة تداول 0.163 دولار فقط.

ومنذ صدور أمر التصفية في يناير 2024، تجمدت تداولات الشركة، التي تُعد أكبر مطور عقاري مثقل بالديون في العالم، بإجمالي التزامات يتجاوز 300 مليار دولار.

أزمة عقارية ممتدة.. معركة الدائنين والمشترين

قرار الشطب لا يمثل نهاية قصة إيفرغراند فحسب، بل يُجسد أعمق أزمة عقارات شهدتها الصين في تاريخها الحديث. القطاع الذي كان يساهم بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي لا يزال يترنح بسبب شح السيولة وضعف الطلب، فيما تتواصل أوامر التصفية لمطورين كبار، آخرهم “تشاينا ساوث سيتي”، المدعوم جزئياً من الدولة.

ويرى محللون أن انهيار إيفرغراند بمثابة “رمز لنهاية العصر الذهبي للعقارات الصينية”، لكنه لا يعني أن الأزمة انتهت بعد.

التصفية تضع آلاف الدائنين والمستثمرين والمشترين أمام مستقبل غامض. فبينما تنتظر الأسر تسلّم منازل غير مكتملة، يأمل الدائنون استرداد جزء من أموالهم. لكن حتى الآن، لم يتمكن المصفيون سوى من استعادة 255 مليون دولار فقط عبر بيع أصول خارجية، مقارنة بمطالبات بقيمة 45 مليار دولار وفق اطلاع مرصد بقش. وبالنسبة لمستثمري منتجات إدارة الثروات التي أطلقتها الشركة، تكاد الآمال بالتعويض تتلاشى.

مؤسس مثير للجدل ونهاية درامية

قصة انهيار الشركة تعكس أيضاً صعود وسقوط مؤسسها “هوي كا يان”، الذي انتقل من قريته الفقيرة إلى نادي أثرياء الصين. غير أن المجد المالي انتهى بقرارات حظر من الأسواق مدى الحياة، وغرامة قيمتها 47 مليون يوان بسبب اتهامات بالتلاعب في البيانات والاحتيال.

ومنذ توقيفه عام 2023، لم يظهر علناً، فيما تسعى السلطات إلى تجميد أصوله وأصول زوجته السابقة ومحاولة استرداد ستة مليارات دولار صرفت كأرباح ومكافآت للإدارة السابقة.

يتوقع محامون أن تستغرق إجراءات التصفية عقداً كاملاً، مع معدلات استرداد متدنية للغاية. وفي الأثناء، سيظل اسم إيفرغراند مرتبطاً بانفجار فقاعة الديون العقارية في الصين، ودرساً تحذيرياً لمطوّرين آخرين يسعون إلى النجاة عبر إعادة الهيكلة وكسب دعم الدائنين.

تأثير السقوط على الاقتصاد الصيني

يمثل انهيار إيفرغراند ضربة مباشرة لثقة المستثمرين والمستهلكين في واحد من أهم القطاعات التي اعتمد عليها النمو الصيني خلال العقدين الماضيين. فالعقارات لم تكن مجرد سوق للإسكان، بل ركيزة مالية ضخمة ساهمت في تمويل الحكومات المحلية عبر مبيعات الأراضي، وأداة أساسية للمدخرات العائلية. انهيار أكبر مطور في البلاد ألقى بظلاله على سوق الأسهم والسندات، وأدى إلى تشديد شروط الائتمان للمطورين الآخرين.

كما أدى ذلك إلى تباطؤ مبيعات المنازل الجديدة، إذ أصبح المشترون أكثر حذراً من الاستثمار في مشاريع قد تبقى غير مكتملة. ويُقدَّر أن مئات الآلاف من الوحدات السكنية التي بنتها أو خططت لها إيفرغراند لم تُسلّم، ما يفاقم الضغوط الاجتماعية على الحكومة.

منذ 2021، أطلقت بكين سلسلة إجراءات لإنقاذ السوق: خفّضت أسعار الفائدة، خففت قيود شراء المنازل، وطلبت من البنوك توفير تسهيلات للمطورين “الأصحاء” حسب قراءة بقش. كما جرى توجيه صناديق مملوكة للدولة للاستحواذ على بعض الأصول المتعثرة.

لكن هذه السياسات لم تحقق انتعاشاً ملموساً، إذ لا تزال المعنويات الاستهلاكية ضعيفة، بينما تُثقل الديون كاهل الشركات. ويشير محللون إلى أن الحكومة تجد نفسها بين خيارين صعبين: دعم غير محدود قد يخلق “مخاطر أخلاقية” عبر تشجيع المزيد من الديون، أو ترك السوق لتصحيح نفسه بما يحمله ذلك من تباطؤ اقتصادي واسع.

نظرة مستقبلية قاتمة

انهيار إيفرغراند لا يُختزل في خسارة شركة واحدة، بل يرمز إلى نهاية نموذج النمو الصيني القائم على العقارات. وعلى الرغم من المحاولات الرسمية لإعادة التوازن نحو الاستهلاك والتكنولوجيا والصناعات الخضراء، فإن أي تعافٍ حقيقي للقطاع العقاري سيستغرق سنوات.

وفي غضون ذلك، قد تظل الصين تواجه تحديات مرتبطة بالبطالة بين الشباب، تراجع الاستثمارات الأجنبية، وتباطؤ النمو العام، وهي مؤشرات تزيد من حدة الضغوط على القيادة الاقتصادية في بكين.

وأعاد سقوط إيفرغراند إلى الأذهان أزمة الرهن العقاري الأمريكية عام 2008، التي بدأت بتعثر شركات بناء وقروض عقارية عالية المخاطر، ثم تحولت إلى أزمة مالية عالمية أطاحت ببنوك كبرى وفق مراجعة بقش.

غير أن الفارق الجوهري أن الصين تملك قدرة أكبر على التدخل المباشر عبر أدوات الدولة للسيطرة على التداعيات، بينما سمح النظام المالي الأميركي آنذاك بانتشار العدوى بسرعة إلى الأسواق العالمية.

كما تشبه التجربة الحالية أزمات دول أخرى مثل تركيا في أوائل 2000 والأرجنتين وزيمبابوي، حيث جرى الاعتماد المفرط على العقارات والديون كقاطرة للنمو، ثم تحولت إلى عبء على الاقتصاد الوطني. والدرس المشترك هو أن التوسع غير المنضبط في قطاع واحد، من دون تنويع اقتصادي، يترك أي اقتصاد عرضة لأزمات عميقة تستغرق سنوات لتجاوزها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش