تقارير
أخر الأخبار

من نيوم إلى حيفا.. طريق الطاقة يعبّد مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب

تقارير | بقش

في 25 أكتوبر الجاري صرّح وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، بوجود مشروع لإنشاء ممر طاقة عالمي يربط إسرائيل بالسعودية، وهو تصريح يسلط الضوء على التغيرات العميقة في موازين الجغرافيا السياسية للطاقة في الشرق الأوسط.

فالمشروع يُقدَّم بوصفه مبادرة اقتصادية وبنية تحتية عابرة للحدود، ويحمل في جوهره أبعاداً استراتيجية تتجاوز الاقتصاد إلى إعادة تشكيل التحالفات ومسارات النفوذ الإقليمي.

وحسب متابعة “بقش” لتصريحات كوهين، يهدف المشروع إلى إنشاء ممر طاقة لوجستي يربط السعودية بإسرائيل لتسهيل نقل النفط والبضائع نحو أوروبا، في مسعى لتحويل إسرائيل إلى مركز محوري للطاقة في الشرق الأوسط، وتوفير بديل بري عن المسارات التقليدية التي تمر عبر قناة السويس أو الممرات الإيرانية.

تفاصيل المشروع

صحيفة معاريف الإسرائيلية قالت في تقرير اطلع عليه بقش إن المشروع يقوم على منظومة نقل متكاملة تبدأ من موانئ الهند إلى الخليج العربي “مثل ميناء الدمام”، ثم عبر السكك الحديدية السعودية والأردنية إلى فلسطين المحتلة (ميناء حيفا)، قبل أن تُنقل البضائع والطاقة إلى أوروبا.

وتتضمن المرحلة الأولى إنشاء خط سكة حديد من حيفا إلى الحدود الأردنية مروراً ببيت شان وصولاً إلى مدينة “إربد” الأردنية، باستثمار أولي يبلغ نحو 20 مليار دولار تموّله السعودية.

أما المرحلة الثانية، فتركّز على الربط المباشر بالخليج العربي ضمن دراسات الجدوى الجارية داخل إسرائيل حتى نهاية 2025.

وإضافةً إلى خطوط السكك الحديدية، يتضمن المشروع أنبوب نفط بري بطول يقارب 700 كيلومتر يمتد من الأراضي السعودية إلى مدينة إيلات، ومنها إلى ميناء عسقلان عبر خط الأنابيب القائم، ليُعاد تصدير النفط إلى أوروبا.

يصف كوهين هذا المسار بأنه الأقصر والأكثر أماناً لنقل الطاقة نحو الغرب، مشيراً حسب قراءة بقش إلى أنه سيقلص التكاليف الزمنية والمالية ويزيد الجدوى الاقتصادية للطرفين.

بُعد جيوسياسي للمشروع

هذا المشروع يُعد محاولة إسرائيلية لتكريس التطبيع الاقتصادي مع السعودية كمدخل لتطبيع سياسي وأمني لاحق، فالممر يأتي في سياق أوسع تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويُعرف باسم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مشروع وُضع لمنافسة طريق الحرير الصيني، وتوفير بدائل عن قناة السويس التي تراجعت أهميتها مؤقتاً بفعل التوترات في البحر الأحمر.

وتحاول إسرائيل استغلال هذا المشروع لإحكام قبضتها على موقعها الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا، وتحويل بنيتها التحتية إلى محور رئيس لتدفق الطاقة والتجارة.

وترى تل أبيب أن إدماج السعودية في هذا الممر من شأنه أن يربط اقتصاد المملكة بالاقتصاد الإسرائيلي ربطاً عضوياً واضحاً يصعب فصله مستقبلاً، بما يعنيه ذلك من تأثير طويل المدى على الموقف السعودي من القضية الفلسطينية والتوازنات الإقليمية.

طموح إسرائيلي في “نيوم” السعودية

لا يقتصر الطموح الإسرائيلي على خطوط الأنابيب والسكك الحديدية، فوفقاً لتصريحات إيلي كوهين، تمتد الرؤية إلى التعاون في مشروع مدينة نيوم السعودية العملاقة، التي تُعد حجر الزاوية في رؤية المملكة 2030.

وأشار كوهين إلى رغبة إسرائيل في المشاركة في إنتاج الهيدروجين الأخضر داخل نيوم باستثمارات تبلغ نحو 8 مليارات دولار، وهي خطوة تهدف إلى دمج الشركات الإسرائيلية في مشاريع الطاقة المتجددة السعودية، خاصة في مجال التقنيات المتقدمة التي تملك فيها إسرائيل ميزة تنافسية.

وحسب تقديرات الباحث الإسرائيلي نيتسان كوهين المنشورة في صحيفة إسرائيل اليوم بتاريخ 4 فبراير 2025، فإن إسرائيل قد تجني ما بين 10 و20% من أرباح مشروع نيوم البالغة 500 مليار دولار، أي نحو 100 مليار دولار محتملة، وحسب مراجعات بقش فقد بدأت بالفعل شركات إسرائيلية مثل “تيفن” في التحضير للدخول إلى السوق السعودية بصورة غير مباشرة، عبر شراكات وشركات وسيطة، في انتظار لحظة الإعلان الرسمي عن التطبيع.

أبعاد اقتصادية واستراتيجية للممر

الممر يهدف إلى تقليص الاعتماد على قناة السويس، ما يشكل تحدياً مباشراً للاقتصاد المصري، وإعادة توجيه مسارات التجارة والطاقة في المنطقة نحو محور جديد (الهند – الخليج – إسرائيل – أوروبا).

كذلك يرمي إلى تحويل إسرائيل إلى مركز عبور للطاقة، بما يمنحها نفوذاً سياسياً واقتصادياً متزايداً في الشرق الأوسط، وإعادة صياغة العلاقات الإقليمية من خلال تطبيع اقتصادي تحت غطاء التعاون اللوجستي.

لكن هذا المسار يصطدم بعدة عقبات، أبرزها رفض قطاعات واسعة في السعودية والعالم العربي للتطبيع المباشر مع إسرائيل، وعدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن الحرب في غزة التي أضعفت جاذبية المشاريع المشتركة، وكذا المنافسة بين الصين وأمريكا في المنطقة، التي تجعل من هذا المشروع أداة في الصراع الجيوسياسي بين القوتين.

تطبيع اقتصادي هيكلي لا رجعة عنه

ربط السعودية بإسرائيل عبر ممر طاقة عالمي ليس خطوة اقتصادية فقط، بل تحوّل استراتيجي يطال بنية العلاقات الإقليمية بأكملها.

فعلى الصعيد الاقتصادي، قد تحقق السعودية استفادةً من تسريع صادراتها وتقليل التكاليف، لكنها في المقابل تضع نفسها ضمن شبكة بنى تحتية تتحكم فيها إسرائيل جزئياً.

وسيؤدي ذلك إلى تحول تدريجي في موازين النفوذ الاقتصادي من الخليج إلى محور شرق المتوسط، وإضعاف الدور المصري في منظومة الطاقة والنقل الإقليمي، وزيادة ارتباط أمن الطاقة الإقليمي بإسرائيل، ما يمنحها ورقة ضغط جديدة في الصراعات السياسية، وتعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة بوصفه الراعي الرئيس للممر الجديد، على حساب النفوذ الصيني.

ومن زاوية أعمق، فإن ربط إسرائيل بالسعودية عبر البنية التحتية للطاقة يعني عملياً دمج إسرائيل في نسيج الأمن الاقتصادي العربي، بحيث يصبح فصلها مستقبلاً مكلفاً سياسياً واقتصادياً، وهو ما يعبّر عن انتقال التطبيع من طابعه الرمزي إلى طابع هيكلي اقتصادي يصعب التراجع عنه.

وحول رؤية السعودية 2030، تذهب تقارير اقتصادية اطلع عليها بقش، مثل تقرير بيزنس إنسايدر الأمريكي، إلى أنّ نجاح مشروع مدينة “نيوم” و”رؤية 2030″ يتوقف على استقرار الإقليم وإرساء السلام.

لكن الحرب على غزة أدت إلى تراجع شهية المستثمرين الدوليين للمخاطرة في مشاريع عابرة للحدود.

ورغم أن الممر المقترح يوفر للسعودية فرص تنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على النفط الخام، إلا أنه يحمل مخاطر سياسية كبيرة في ظل احتقان الشارع العربي.

مشروع ممر الطاقة الذي يربط السعودية بإسرائيل يتجاوز كونه مجرد مبادرة اقتصادية ليصبح أداة لإعادة هندسة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

فمن ناحية تسعى إسرائيل إلى كسر عزلتها الإقليمية وتحويل نفسها إلى محور اقتصادي بين آسيا وأوروبا، ومن ناحية أخرى تجد السعودية نفسها أمام معادلة دقيقة بين طموحاتها التنموية ورؤيتها الحديثة، واعتباراتها السياسية والدينية والقومية.

وبينما تراهن تل أبيب وواشنطن على أن الاقتصاد سيفتح أبواب التطبيع، تشير الوقائع إلى أن هذا الممر قد يخلق توترات جديدة في الإقليم، ويعيد تشكيل موازين القوة في مجال الطاقة والتجارة والعبور، وفي حال تحقّق المشروع فعلاً فإنه سيجعل من إسرائيل جسراً إجبارياً للطاقة العربية نحو أوروبا، وهو ما يحمل دلالات أعمق من مجرد ربط خطوط أو سكك، إذ يعني بداية مرحلة جديدة من التبعية المتبادلة والمصالح المتشابكة التي قد تعيد تشكيل وضعية الشرق الأوسط لعقود.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش