من يشعل الحرب التجارية مجدداً؟ وكيف خسر الأمريكيون +1.2 تريليون دولار في يوم واحد؟

الاقتصاد العالمي | بقش
يبدو أن الحرب التجارية العالمية قد عادت بقوة مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيفرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 100% على البضائع الصينية، تُضاف إلى التعريفات الجمركية البالغة 30% السارية حالياً، بدءاً من 01 نوفمبر 2025 أو قبل ذلك، ويُعتبر هذا التهديد تصعيداً كبيراً بعد أشهر من الهدنة التجارية بين البلدين.
ترامب قال في منشور له على منصته “تروث سوشيال” إن واشنطن ستفرض رسوماً جمركية بنسبة 100% على الصين، تضاف إلى أي تعريفات جمركية تدفعها حالياً، وفي الأول من نوفمبر أيضاً، سنفرض ضوابط على تصدير جميع البرمجيات الأساسية.
ويرتبط إعلان ترامب بتشديد بكين لضوابط التصدير على معادنها الأرضية النادرة الضرورية لإنتاج العديد من الأجهزة الإلكترونية وفق متابعات مرصد “بقش”، ونتيجة لذلك بدا أن ترامب ألغى اجتماعاً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، كان مقرراً في وقت لاحق من هذا الشهر في كوريا الجنوبية.
وذكر ترامب: “كان مقرراً أن ألتقي بالرئيس شي بعد أسبوعين، في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، في كوريا الجنوبية، ولكن الآن يبدو أنه لا يوجد سبب للقيام بذلك”.
الرسوم الجمركية التي يعتزم ترامب فرضها ستؤدي إلى زيادة الرسوم الكلية على السلع الواردة من الصين إلى 130%، لتقترب من مستوى 145% الذي فُرض في وقت سابق من هذا العام، قبل أن يخفض البَلَدان الرسوم في هدنة لدفع محادثات التجارة.
ذلك يحدث بعد سلسلة خطوات اتخذتها كل من الولايات المتحدة والصين لتقييد تدفقات التكنولوجيا والمواد بين البلدين. ففي أحدث الإجراءات التي تتبَّعها مرصد بقش، فرضت الصين رسوماً جديدة على السفن الأمريكية في الموانئ، وبدأت تحقيقاً في مكافحة الاحتكار بحق شركة “كوالكوم” (Qualcomm)، في أعقاب التحركات الجديدة لتقييد تدفق المعادن النادرة اللازمة للعديد من المنتجات الاستهلاكية.
وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن المصدّرين الأجانب للبضائع التي تحتوي حتى على كميات ضئيلة من بعض معادن الأرض النادرة باتوا ملزمين بالحصول على ترخيص تصدير، لافتةً إلى اعتبارات تتعلق بالأمن القومي الصيني، كما قررت بكين إخضاع بعض المعدات والتقنيات المستخدمة في معالجة هذه المعادن وصناعة المغناطيس لضوابط تصدير جديدة.
وأعلنت الصين عن فرض رسوم إضافية على السفن التجارية التي تدخل الموانئ الصينية اعتباراً من 14 أكتوبر الجاري، وتصل الرسوم المفروضة إلى 400 يوان (56 دولاراً) لكل طن، على أن ترتفع إلى 640 يواناً (90 دولاراً) في أبريل 2026، ثم تزداد سنوياً.
توتر في الأسواق العالمية
لم يرحّب المستثمرون بالقرار الأمريكي بشأن رفع الرسوم بنسبة 100%، حيث تسود مخاوف من تجدُّد سيناريو الربيع عندما ارتفعت الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 145%.
بعد 40 دقيقة فقط من تهديد ترامب، خسر مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” نحو 1.2 تريليون دولار من قيمته السوقية، وهو رقم مهول يكشف أن وضع السوق الآن مختلف تماماً عما كان عليه في أبريل 2025 (شهر فرض الرسوم)، لأن الواضح الآن هو التركيز التجاري الكبير على الصين.
وأغلقت الأسواق الأسبوع المنصرم على انخفاض حاد، وسط عمليات بيع كثيفة يوم أمس الجمعة. هبط مؤشر داو جونز بنسبة 1.9%. وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.7%، وتراجع مؤشر ناسداك، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، بنسبة 3.5%.
كما تراجعت عملة بيتكوين المشفرة، الأكبر في العالم، بأكثر من 12% إلى مستوى 112 ألف دولار، في حين خسرت عملة إيثريوم المشفرة 11% من قيمتها تقريباً وفق متابعة بقش، لتسجّل 3,870 دولاراً. وبشكل عام أدى تهديد ترامب إلى تصفية استثمارات بقيمة أكثر من 6 مليارات دولار خلال ساعة في أسواق العملات المشفرة.
وارتفعت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي جديد، فقد أغلقت العقود الآجلة عند 4030.30 دولاراً للأوقية مرتفعةً بنسبة 1.45%، فيما بلغت العقود الفورية 4012.90 دولاراً بزيادة 0.90%، ويعتقد اقتصاديون أن الذهب استفاد من التحول السريع في شهية المخاطرة بعد التصعيد الأمريكي، مع تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.45% إلى 98.95 نقطة، وهو ما دعم الطلب على الأصول الآمنة.
أما النفط، فقد انهارت أسعاره العالمية متأثرةً بالقلق من تباطؤ النمو العالمي بسبب الرسوم الجديدة، حيث هبط خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 4.32% ليغلق عند 58.85 دولاراً للبرميل، بينما هبط خام برنت بنسبة 3.85% إلى 62.71 دولاراً.
وهبطت عملات الأسواق الناشئة بشكل حاد بعد تهديد ترامب بزيادة الرسوم، حيث تأثرت العملات مثل الريال البرازيلي والوون الكوري، مع هبوط الأسهم الآسيوية والصينية بسبب القيود والتوترات التجارية، مما يضغط على النمو الاقتصادي العالمي.
وأوردت شبكة إنفستنغ للبيانات المالية أنّ الأسواق يتم تسعيرها في الوقت الحالي وفق احتمالات تراجع الطلب العالمي على الطاقة، مع تصاعد التوترات التجارية وتراجع الثقة في النمو الصناعي.
ويمثل الوضع الراهن صداماً اقتصادياً مفتوحاً قد يعيد الأسواق إلى أجواء عامي 2018 و2019 عندما تسببت الرسوم المتبادلة في اضطرابات حادة في سلاسل الإمداد والتجارة العالمية، ويُنظر حالياً إلى أن هذا التباين الحاد بين صعود الذهب وانهيار النفط والأسهم يعكس تحولاً كاملاً في شهية المخاطر، حيث تتجه السيولة نحو الأصول الدفاعية بسبب تصاعد الغموض بخصوص مستقبل العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبكين.
فوضى في سوق الشحن
تقول وكالة بلومبيرغ إن الرسوم المتبادلة على سفن أمريكا والصين تتسبب في نشر الفوضى في سوق الشحن العالمية، فأسعار استئجار ناقلات النفط ترتفع بشكل أدى إلى إلغاء بعض الحجوزات وارتفاع تكاليف النقل البحري.
وفق اطلاع بقش، تبدأ الرسوم الصينية من 56 دولاراً للطن وتزيد سنوياً. ذلك يعادل نحو 6.2 ملايين دولار من الرسوم الإضافية على كل زيارة تقوم بها ناقلة عملاقة إلى الميناء.
وذكر مسؤولون في سوق الشحن لبلومبيرغ أن العديد من ناقلات النفط التي كانت قد حُجزت مبدئياً لتسليم شحنات إلى الموانئ الصينية أُلغيت حجوزاتها، وذلك بعد أن أعلنت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، فرض رسوم على السفن الأمريكية.
وسيُعد أي كيان أمريكي يملك بشكل مباشر أو غير مباشر 25% أو أكثر من حقوق التصويت أو مقاعد مجلس الإدارة في شركات تشغيل السفن، ككيان أمريكي خاضع لتلك الرسوم، كما تُعد السفن أمريكية إذا كانت ترفع العلم الأمريكي أو صُنعت داخل الولايات المتحدة.
وعلى إثر ذلك، ارتفعت عقود المشتقات المالية المرتبطة بالنقل البحري بنسبة 25% في الرحلات من الشرق الأوسط إلى الصين منذ صباح أمس، وفقاً لمتابعات بقش.
انقسام النظام التجاري العالمي
يبدو أن الصراع لا يقتصر على التجارة فقط، بل يمتد إلى التحكم في التقنيات المتقدمة، حيث تعتبر واشنطن أن السياسات الصينية غير عادلة وتشكل منافسة مشوشة. كما يؤدي الصراع إلى تحولات في سلاسل التوريد العالمية، إذ تحاول دول وشركات تقليل الاعتماد على الصين ضمن ما يُعرف بنهج “China+1” (إضافة شريك بديل لسلسلة الإمداد).
وقد تؤدي التعريفات والقيود على إمدادات المواد الخام والتكنولوجيا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تنعكس على أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة ودول أخرى. كما قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الاستثمارات والتوريدات. وبشكل عام، يدفع استمرار النزاع باتجاه انقسام في النظام التجاري العالمي إلى محاور تنافسية، مما يزيد من الحواجز التجارية ويضعف التعاون متعدد الأطراف، وسط محاولات أمريكية على فرض سيطرة أحادية لا تقبلها الصين.