
أخبار الشحن | بقش
تشهد إسرائيل أزمة بحرية غير مسبوقة بعد سلسلة عمليات استهدفت سفناً تجارية في البحر الأحمر، نفذتها قوات صنعاء (أنصار الله) رداً على حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، وقد أثرت هذه الهجمات بشكل مباشر على التأمين البحري والملاحة التجارية المرتبطة بموانئ إسرائيل، وخصوصاً ميناء حيفا، الذي بات مهدداً بالعزلة.
ووفقاً لتقرير نشره موقع Middle East Eye، فإن قرار شركة التأمين الأمريكية “ترافيلرز” بعدم تجديد تغطية المخاطر الحربية لسفينة “Eternity C” قبل مرورها في البحر الأحمر، أثار قلقاً بالغاً في أوساط الشحن البحري، فالسفينة، التي تربطها صلة مباشرة بإسرائيل، تضررت بفعل هجوم نفذته قوات صنعاء، وتقدر خسائر مالكيها بأكثر من 20 مليون دولار.
استراتيجية الردع اليمنية: من غزة إلى البحر الأحمر
بدأت قوات صنعاء في استهداف السفن العابرة للبحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، في إطار ما وصفته برد “على العدوان الإسرائيلي الوحشي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة”، مؤكدة أن عملياتها البحرية جزء من تضامنها مع المقاومة.
الهجمات الأخيرة ضد السفينتين اليونانيتين “Magic Seas” و”Eternity C” مطلع يوليو الجاري كانت الأعنف والأكثر تعقيداً منذ بدء العمليات.
وبحسب المعلومات التي تابعها بقش، فإن ما يقلق إسرائيل ليس فقط الضربات المباشرة، بل الأثر الممتد على شركات التأمين والمشغلين البحريين حول العالم.
أحد خبراء الأمن البحري أشار في تصريحه لميدل إيست آي إلى أن “المشكلة الحقيقية تكمن في الخوف من عدم الحصول على تغطية تأمينية، حتى في حال وجود صلة غير مباشرة بإسرائيل”.
ميناء حيفا يدفع الثمن
تشير المعطيات إلى أن شركات الملاحة باتت تتجنب التوجه إلى الموانئ الإسرائيلية، خوفاً من التصنيف العالي لمخاطر الحرب، وصعوبة تأمين السفن في مناطق مثل البحر الأحمر، وفقاً لقائمة “لجنة الحرب المشتركة” التابعة للندن، وقد أدى ذلك إلى تراجع ملحوظ في حركة الحاويات والبضائع نحو ميناء حيفا، الذي يُعد من أهم منافذ إسرائيل البحرية.
ومن خلال متابعة حركة التجارة، يظهر أن العديد من الخطوط الملاحية بدأت بتغيير مساراتها نحو موانئ بديلة في شرق المتوسط، ما يشير إلى خسارة تدريجية لمكانة حيفا كمركز لوجستي محوري.
وتتخطى تبعات الهجمات البحرية حدود التأمين والملاحة، إذ تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من خسائر مباشرة وغير مباشرة جراء هذه الحرب الممتدة، ومن أبرزها: انخفاض حركة الصادرات عبر البحر الأحمر بنسبة تفوق 50%، وارتفاع أقساط التأمين على السفن المتجهة إلى إسرائيل بنسب تصل إلى 400%، وكذا انسحاب شركات شحن دولية من خطوط تربط آسيا بأوروبا مروراً بميناء إيلات، مع تحول معظم التجارة البحرية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، ما يضاعف زمن الشحن وتكلفته.
ووفقاً للخبراء، كان يمكن تجنب هذه التداعيات لو تم وقف الحرب على غزة، بدلاً من توسيعها لتشمل جبهات إسناد إقليمية تهدد اليوم الأمن الاقتصادي الإسرائيلي في عمقه.
الضغط الإسرائيلي لا يُثمر
تزامنت الهجمات الأخيرة مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، في خطوة يرى مراقبون أنها حملت رسالة سياسية واضحة من صنعاء وحلفائها، مفادها أن الحرب في غزة لن تبقى محصورة جغرافياً.
وقد نقلت “ميدل إيست آي” عن مصادر أمريكية أن إسرائيل ضغطت على إدارة واشنطن لاستئناف الهجمات على مواقع الحوثيين، لكن البيت الأبيض متردد في إعادة إشعال الجبهة اليمنية، خاصة مع امتناع قوات صنعاء عن استهداف سفن أمريكية لتفادي التصعيد المباشر.
يرى محللون أن قوات صنعاء تنفذ عملياتها ضمن استراتيجية محسوبة تهدف إلى فرض كلفة اقتصادية على إسرائيل دون جرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، كما أن قوات صنعاء لا تسعى إلى اشتباك مفتوح مع الولايات المتحدة، لكنها ترسل رسالة مفادها: “لن تمر سفنكم بسلام وأنتم تواصلون ذبح الفلسطينيين”.
من خلال المعطيات المتوفرة، بات واضحاً أن تكاليف الحرب على غزة تجاوزت بكثير الحسابات العسكرية والسياسية، فالخسائر تتراكم في البحر وعلى الأرض، والأسواق تتراجع، وحلفاء إسرائيل الإقليميون ينأون بأنفسهم تدريجياً عن الدعم المطلق.
وتشير التقديرات إلى أن تل أبيب تواجه اليوم أخطر تحدٍ بحري وتجاري منذ عقود، في ظل تصاعد عمليات الردع البحري وتضييق الخناق على خطوطها التجارية، ما يضع مستقبلها الاقتصادي على المحك.