أصبح متداولاً أن سياسات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ترسم ملامح معاناة اقتصادية ربما ترقى لدرجة “الخانقة”، مما سيؤدي في النهاية إلى مزيد من الاختلالات في أكبر اقتصاد بالعالم، وإرهاق الأمريكيين الذين سيتحملون أعباء هذه السياسات ونتائجها على المدى القريب، مع إصرار الإدارة الأمريكية على اتخاذ هذه الإجراءات.
على سبيل المثال لا الحصر، يمثّل فرضُ رسوم على استخدام السفن التجارية الصينية، تهديداً جديداً، لكون هذه الخطة ستفرض أضراراً جسيمة على الاقتصاد الأمريكي، ومع ذلك قد تفشل هذه السياسة في تقليص هيمنة الصين على صناعة بناء السفن وفقاً لتحذير مجموعة تجارية كبرى.
هذا المخطط يشمل السفن التي تم إنشاؤها في الصين والتي تدخل الموانئ الأمريكية، مع فرض التزام بنقل جزء من المنتجات الأمريكية على متن سفن أمريكية وفق متابعات بقش. وحسب المعلومات فإن من المقرر عقد جلسة استماع في 24 مارس الجاري لجمع ملاحظات حول هذه المقترحات التي قد تؤدي إلى اضطرابات كبيرة في صناعة الشحن إذا لم يتم تعديلها.
بيمكو الدنماركية تحذّر: أمريكا هي التي ستعاني
مجموعة “بيمكو” التجارية، والتي يقع مقرها في الدنمارك وتمثل نحو 2100 مالك سفينة في 130 دولة بما في ذلك أمريكا والصين، حذّرت بلهجة مشددة من أنّ رسوم الموانئ تُمرر عادةً عبر سلسلة التوريد، ومعنى ذلك أن المستهلكين الأمريكيين سيواجهون في النهاية ارتفاعاً في الأسعار.
كما أن مثل هذه الخطة تعرّض الوظائف في أحواض بناء السفن للخطر، بل وتهدّد صادرات الطاقة الأمريكية إذا تم تنفيذها كما هو مقترح.
وثمة تداعيات كبرى ستواجه التجارة الأمريكية وموانئ الولايات المتحدة. فوفقاً لـ”لارس روبرت بيدرسن” نائب الأمين العام ومدير الشؤون التنظيمية في مجموعة “بيمكو”، فإن هذه “الإجراءات المقترحة ستؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف النقل للواردات والصادرات الأمريكية وستؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، وفوق ذلك سيظل تأثيرها على الهيمنة الصينية غير مؤكد”.
وتُعتبر بيمكو أكبر مجموعة تجارية من حيث العضوية المباشرة في قطاع الشحن، وتؤكد المجموعة أن أغلب مالكي السفن سيسعون إلى تفادي دفع هذه الرسوم عبر تقليل عدد رحلاتهم إلى الولايات المتحدة.
وإلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن نتيجة انخفاض المنافسة، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى ازدحام الموانئ وتراجُع الوظائف فيها، لأن من الممكن أن تصبح بعض الموانئ أقل جذباً للتجارة الخارجية.
وجه آخر للمعاناة: فصل الموظفين
أصبح فصل الموظفين من الوكالات والوزارات حديث الساعة في أمريكا. فالرئيس ترامب يشن حملة منذ صعوده في يناير 2025، مع الملياردير إيلون ماسك، لتقليص حجم القوى العاملة الفيدرالية المدنية البالغ قوامها 2.3 مليون فرد، وهو ما أدّى -حتى الآن- إلى فصل أكثر من 100 ألف موظف وفق متابعات بقش.
عمليات التسريح استهدفت أولاً العمالَ تحت الاختبار الذين يعملون في وظائفهم الحالية لمدة تقل عن عام ولديهم حماية وظيفية أقل من الموظفين الذين يحملون فترات أطول.
وحَكَم قاضٍ أمريكي بأن إنهاء خدمة حوالي 25,000 موظف تحت الاختبار كان أمراً “غير قانوني”، مما أجبر الوكالات هذا الأسبوع على البدء في إعادة المفصولين.
لكن مع ذلك، تم وضع الموظفين الذين تمت إعادتهم على الفور في “إجازة مدفوعة الأجر”.
وفي نفس الوقت بدأت موجة جديدة من الفصل الجماعي تستهدف العاملين الحكوميين المهنيين، وستتكثف بعد أن أمر ترامب الوكالات الفيدرالية في 26 فبراير بتقديم خطط للتسريح على نطاق واسع بحلول 13 مارس.
طال الفصل موظفي الكثير من الوكالات والوزارات والمؤسسات. على سبيل المثال تخطط دائرة الإيرادات الداخلية “مصلحة الضرائب” للتخلص من 25% من قوتها العاملة بحلول 15 مايو المقبل، وحسب مراجعات بقش كان لدى مصلحة الضرائب نحو 100 ألف عامل حين تولى ترامب منصبه، ما يعني أن قرابة 25 ألف عامل سيفقدون وظائفهم.
وبتتبُّع بقش لأبرز الوكالات التي قلصت، أو تخطط تقليص موظفيها، تظهر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” على رأس القائمة بفصل 5400 موظف، ووزارة شؤون المحاربين القدامى بفصل أكثر من 80 ألف عامل، ووكالة المخابرات المركزية التي طردت عدداً كبيراً من الموظفين الجدد (غير معروف العدد)، ووزارة الداخلية التي فصلت 2,300 عامل، ووزارة الزراعة التي فصلت 3,400 موظف أي 10% من قوتها العاملة.
وفي الخارجية، وجّهت إدارة ترامب البعثات الأمريكية في جميع أنحاء العالم بالاستعداد لخفض عدد الموظفين، في إطار إصلاح السلك الدبلوماسي الأمريكي.
وفي وزارة الطاقة فُصل 700 عامل على الأقل، وفي وكالة حماية البيئة فُصل 338 موظفاً تحت الاختبار، وفُصل أكثر من 300 موظف من إدارة الطيران الفيدرالية، وأكثر من 2,180 موظفاً من وزارة التعليم، وغيرها الكثير من المكاتب والإدارات.
