تقارير
أخر الأخبار

هآرتس: الهروب من “أرض الميعاد”.. مئات الإسرائيليين يفرّون عبر البحر بسبب الضربات الإيرانية

تقارير | بقش

بينما تشتدّ نيران الحرب بين إسرائيل وإيران عقب العملية العسكرية التي أطلقتها تل أبيب تحت عنوان “تغيير النظام وتدمير المشروع النووي الإيراني”، يتكشّف مشهد جديد يضع الداخل الإسرائيلي أمام أزمة وجودية تتجاوز الخسائر العسكرية والاقتصادية المباشرة.

فقد رصدت صحيفة هآرتس في تقرير ميداني تحول مرافئ مثل مارينا هرتسيليا، وأشكلون، وحيفا، إلى “صالة مغادرة بحرية” تشهد تدفّقاً غير مسبوق لعشرات اليخوت الصغيرة التي تقلّ إسرائيليين يفرّون من واقع بات يضيق بهم، تحت وطأة الصواريخ وتهاوي الثقة.

ووفق ما رصده المرصد الاقتصادي بقش من معطيات دقيقة وميدانية، فإن مئات الإسرائيليين يحاولون مغادرة الأراضي المحتلة عبر البحر، بعد أن أُغلق المجال الجوي بشكل شبه كامل منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة.

وتعمل شبكات غير رسمية على تنظيم رحلات إبحار خاصة إلى قبرص ومن هناك إلى وجهات أخرى، فيما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي – خصوصاً مجموعات فيسبوك – منصات تبادل للمعلومات والعروض والأسعار الخاصة برحلات الهروب.

هروب المستوطنين رغم الحظر الرسمي على المغادرة

مراسل هآرتس الذي وثّق هذه الظاهرة من مارينا هرتسيليا، تحدث عن مشهد متكرر يومياً: أزواج، وأفراد، وعائلات، يجرّون حقائبهم بصمت نحو أرصفة اليخوت، معظمهم يلتزمون بعدم الحديث، بينما تؤكد شهادات الركاب أنهم “لا يفرّون بل يغادرون مؤقتاً”، في محاولة لتخفيف شعور الذنب أو وصمة الخوف.

لكن الواقع الميداني يُثبت العكس. العديد من هؤلاء المغادرين يمتلكون جنسيات مزدوجة أو علاقات عمل وعائلات في الخارج، ما يجعل مغادرتهم أكثر سهولة، في وقت تمنع فيه السلطات الإسرائيليين من مغادرة البلاد عبر الرحلات الجوية التجارية.

في إحدى الرحلات المتوجهة إلى لارنكا، دفع الركاب ما يصل إلى 2500 شيكل للفرد (نحو 670 دولاراً) وفق اطلاع بقش، بينما وصلت بعض العروض إلى 6000 شيكل (1600 دولار) بحسب سعة اليخت ووسائل الراحة المتوفرة فيه.

“سئمنا حالة الطوارئ الدائمة”.. انهيار المنظومة النفسية والاجتماعية

تعبّر هذه الظاهرة عن حالة غير مسبوقة من الانهيار النفسي والمعنوي داخل المجتمع الإسرائيلي، لا سيما مع توسّع المواجهة نحو مواجهة مفتوحة مع طهران، وتصريحات القادة الإسرائيليين المتكررة عن أن “العملية قد تمتد لأسابيع أو أشهر”.

كما أن عدداً من المسؤولين الإسرائيليين السابقين حذّروا من أن الحرب مع إيران “ليست كأي حرب أخرى”، إذ تشمل تهديداً وجودياً متعدد الجبهات يشمل حزب الله في الشمال، والجهاد الإسلامي في غزة، وتنظيمات عسكرية مرتبطة بطهران في العراق وسوريا إلى جانب التهديد القادم من اليمن.

في هذا السياق، نقلت هآرتس عن مواطنين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، أن قرارهم بالمغادرة “نهائي”، وأنهم لا ينوون العودة في المستقبل القريب، وبعضهم أشار إلى أن منازلهم باتت بلا حماية حقيقية في ظل كثافة القصف، وآخرون أكدوا أنهم “سئموا من العيش في حالة طوارئ دائمة”، في إشارة إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة منذ حرب أكتوبر 2023 ضد غزة.

التداعيات الاقتصادية والمعيشية على الداخل الإسرائيلي

في نفس السياق تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المالية الإسرائيلية، والتي اطّلع عليها المرصد الاقتصادي بقش، إلى أن الحرب ضد إيران كلّفت الخزينة ما يزيد عن 9.3 مليار دولار خلال أول أسبوعين فقط، تمثل في حشد الاحتياط، وشراء الذخائر، والدعم اللوجستي للجيش، والتعويضات الأولية للمؤسسات الاقتصادية المتضررة من الإغلاق.

لكن الضرر الأعمق يتجلّى في اقتصاد الحياة اليومية للمستوطنين، فقد سُجّل تراجع في الاستهلاك المحلي بنسبة 23% في النصف الأول من يونيو، بحسب بيانات “سي.إي.سي إكسبريس”، فيما شهدت أسعار التأمين على العقارات والسيارات ارتفاعًا بنسبة 31% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

ووفق رصد مرصد بقش، فإن حركة الشراء بالتقسيط في إسرائيل شبه متوقفة، في وقت تشهد فيه الأسواق عزوفاً عن الاستثمار وركوداً في مبيعات السلع الكمالية.

في المناطق الحدودية مع لبنان وقطاع غزة، نزح أكثر من 86 ألف إسرائيلي من مستوطناتهم نحو وسط البلاد، بحسب تقارير نشرتها بلومبيرغ، فيما لم تنجح الحكومة حتى الآن في توفير بنية تحتية لاستيعابهم بشكل دائم، ما أدى إلى أزمة إسكان مؤقت تفاقمت بسبب توقف مشاريع البناء وتراجع الثقة العقارية.

انهيار في الثقة… وخروج من “أرض الميعاد”

في أحد اليخوت المغادرة، يقول “عدي”، أحد الركاب: “أنا لا أهرب… أنا أهاجر”، ويضيف أن وجهته النهائية هي البرتغال، حيث يقيم شريكه منذ سنوات، مشيراً إلى أن الحرب الأخيرة كانت “القشة التي قصمت ظهر البعير”، هذه العبارة تتكرّر على ألسنة كثر ممن تحدثت معهم هآرتس، وهو ما يشير إلى أن الأزمة الحالية تجاوزت كونها ظرفاً طارئاً إلى مرحلة إعادة التفكير في فكرة “العودة إلى أرض الميعاد” نفسها.

ورصد بقش أن أكثر من 14 ألف طلب هجرة قُدم منذ بداية يونيو إلى دول أوروبية وكندا وأستراليا من قبل إسرائيليين يمتلكون جنسيات مزدوجة، وهي أعلى نسبة منذ أزمة الانتفاضة الثانية في بداية الألفية.

كما أشارت بيانات سلطة السكان والهجرة إلى أن عدد المغادرين إلى قبرص عبر البحر منذ 09 يونيو حتى 16 يونيو بلغ ما لا يقل عن 1100 شخص، في تقديرات أولية مرشحة للارتفاع.

كيان يهتزّ على وقع البحر والصواريخ

في المقابل، لم تُصدر الحكومة الإسرائيلية حتى الآن أي بيان رسمي حول رحلات الهروب عبر البحر، رغم رصدها من قبل سلطات الموانئ ووسائل الإعلام، ويفسّر مراقبون هذا الصمت بـ”الحرج السياسي”، إذ أن الاعتراف بفرار المواطنين سيُعد هزيمة معنوية في حرب يُفترض أنها دفاع عن الوجود، بحسب ما نقلته هآرتس عن مصادر حكومية لم تسمّها.

لكن التصدع المجتمعي بات واضحاً، فبعض من بقي في الداخل يرى في المغادرين “خونة”، بينما يرى آخرون أن الخوف مشروع، وأن الحكومة لم توفّر الأمن الكافي لمواطنيها، وفي مشهد من مارينا هرتسيليا، تودع أم ابنها وهو يصعد على يخت صغير باتجاه قبرص، وتقول: “أردته أن يرحل، ليس لأنه جبان، بل لأنه أذكى منا”.

ليست هذه المرة الأولى التي يعيش فيها الإسرائيليون تحت التهديد، لكن الجديد في هذه الحرب هو أنها تضرب في العمق النفسي للمجتمع، ومع كل صاروخ إيراني يسقط، وكل يخت يغادر، يتبدد جزء من “الأسطورة” التي بُنيت عليها فكرة إسرائيل، وما كان يُعتبر “وطنًا آمنًا ليهود العالم”، بات – بالنسبة لكثيرين – نقطة عبور مؤقتة في طريقهم نحو حياة جديدة في مكان آخر، فالأرقام لا تكذب، والهجرة في تصاعد، الاقتصاد في انكماش، والناس يهربون، ليس خوفًا فقط من الحرب، بل من المستقبل نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش