الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

هبوط مفاجئ في أسعار الصرف في عدن يكشف عمق الاختلالات: ما الذي حدث؟

الاقتصاد اليمني | بقش

شهد سوق الصرف في عدن تحسناً سريعاً ومفاجئاً في سعر الريال اليمني خلال الـ24 ساعة الماضية، في استجابة مباشرة لإجراءات محدودة نفذها بنك عدن المركزي، ما كشف بوضوح حجم العبث والفوضى التي كانت تسيطر على السوق النقدي طوال الأشهر الماضية، وفقاً لتحليلات خبراء اقتصاديين تحدثوا إلى مرصد بقش.

الانخفاض الذي وصفه مراقبون بـ”اللافت وغير المتوقع”، جاء بعد إعلان البنك المركزي في عدن عن سلسلة خطوات تتعلق بتفعيل أدوات الدين العام، وتعزيز الرقابة على سوق الصرف، وتفعيل لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد، والأهم إيقاف أي إصدار نقدي جديد، وهي إجراءات ظلّت مُغيّبة لفترة طويلة، رغم المطالبات المتكررة من القطاع المصرفي والمجتمع الدولي.

تحرّك محدود.. وتأثير واسع

ويؤكد الخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي” في حديث خاص لـ”مرصد بقش” أن “ما حدث خلال اليومين الماضيين من تحسّن فوري في سعر الصرف، بعد مجرد إعلان عن إجراءات تنظيمية، يوضح حجم الفساد المستشري في منظومة إدارة النقد والرقابة المالية”، مضيفاً: “لم تكن السوق بحاجة إلى معجزات، بل فقط إلى إرادة سياسية ومؤسسية للقيام بالحد الأدنى من المهام، وأولها وقف إصدار العملة بدون غطاء”.

واعتبر الحمادي أن تفعيل أدوات الدين العام، خطوة مهمة طال انتظارها، يمكن أن تسهم في امتصاص السيولة المفرطة من السوق، شريطة أن تكون ضمن منظومة متكاملة تشمل مكافحة السوق السوداء، والربط الحقيقي بين السياسات المالية والنقدية.

جاء ذلك بالتزامن مع اجتماع لمجلس الوزراء في عدن، بحضور محافظ البنك “أحمد غالب المعبقي”، والذي قدّم تقريراً موسّعاً حول الأداء النقدي للفترة من يناير إلى يونيو 2025.

واستعرض التقرير الإجراءات التي اتخذها البنك مؤخراً، ومن ضمنها إيقاف أي إصدار نقدي جديد، وتفعيل أدوات الدين العام لتمويل العجز بعيداً عن الطباعة التضخمية، مع تعزيز الرقابة على شركات ومنشآت الصرافة، وإغلاق العشرات منها.

كما تضمنت الإجراءات خطوة حاسمة تمثلت في تفعيل لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد لمنع العشوائية في تدفق العملة الأجنبية.

ورأى اقتصاديون تحدثوا لـ “بقش” أن هذه الإجراءات – رغم بساطتها – أظهرت أن السوق كان يُدار بشكل فوضوي، وأن هناك جهات داخلية وخارجية تستفيد من بقاء الوضع المالي في حالة انفلات.

ثغرات واضحة في المنظومة الإيرادية

في السياق نفسه، أثار تصريح محافظ البنك المركزي بشأن وجود 147 جهة إيرادية لا تورد للبنك المركزي ردود فعل واسعة، ورغم محاولة الحكومة التخفيف من وطأة التصريح بالإشارة إلى أن بعضها مؤسسات مجمدة أو غير فاعلة، إلا أن هذا الرقم يكشف بوضوح عن خلل هيكلي في منظومة تحصيل الموارد وتوريدها.

ووفقاً لمتابعة “مرصد بقش”، فإن استمرار هذا الخلل دون معالجة شاملة، يضعف أي أثر إيجابي للإجراءات النقدية، ويقوّض محاولات تثبيت سعر الصرف أو تحسين الوضع المعيشي للناس.

ويرى مراقبون أن التحسّن الأخير في سعر صرف العملة لا يعني بالضرورة نهاية الأزمة، بل هو مجرد إشارة إلى أن السوق ما يزال يستجيب إذا ما تم فرض رقابة حقيقية وتنظيم واقعي لحركة النقد، وهو ما يفرض على الحكومة والبنك المركزي في عدن الاستمرار، لا التوقف عند هذا الحد.

ويؤكد الحمادي في تصريحه أن “المطلوب الآن هو البناء على هذا التحسن، وعدم السماح بعودة المضاربات مجدداً، وذلك من خلال أدوات رقابة مستقلة، واستراتيجية حقيقية لمحاربة مافيا المضاربة وغسل الأموال”.

يبقى السؤال الأهم: لماذا استغرق البنك المركزي سنوات لاتخاذ إجراءات كان يمكن تنفيذها خلال أسابيع؟ ولماذا استمر الإصدار النقدي دون ضوابط حتى انهارت العملة؟ الأجوبة تكمن في تداخل الفساد مع السياسة، وغياب التنسيق الحقيقي بين المؤسسات، وافتقار الحكومة للإرادة الكافية لتطبيق الإصلاحات.

ومع أن الإجراءات الأخيرة قد تبدو خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها – بحسب الحمادي – غير كافية إذا لم تقترن بشفافية كاملة، وملاحقة للمخالفين، وتفعيل للدور الرقابي الشعبي والإعلامي.

في المحصلة، أثبتت الأيام الماضية أن الحلول موجودة، وأن كبح الانهيار ممكن، إذا ما توفرت الإرادة وتمت محاسبة المتسببين في الانفلات المالي الذي دفع ثمنه المواطن البسيط على مدار سنوات، والسوق – كما أظهر – لا يحتاج أكثر من ضبط فعلي ليبدأ في التعافي، فهل تلتقط حكومة عدن هذه الرسالة بجدية هذه المرة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش