الاقتصاد العالميتقارير
أخر الأخبار

هل نجحت هجمات الحوثيين في التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي؟

تقارير | بقش

أحمد الحمادي

“الحوثيون لا يحتاجون إلى تدمير مطار بن غوريون أو ميناء حيفا، بل يحتاجون فقط إلى جعلهما فارغين”، بهذه الكلمات يمكن تلخيص الاستراتيجية التي بدأت تضرب في قلب الاقتصاد الإسرائيلي، معززة العزلة التي تواجهها تل أبيب جراء عدوانها المستمر على قطاع غزة، فبينما تتصدى منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية للصواريخ، تتسلل التأثيرات الاقتصادية للهجمات اليمنية كشبح يهدد بوقف محركات الاقتصاد الإسرائيلي عن الدوران.

في تقرير لافت نشره موقع “ليكودنيك” السياسي الإسرائيلي الموالي لحزب الليكود، سلط الكاتب “أريك زيف فايزر” الضوء على حقيقة مؤلمة لإسرائيل، وهي أن التأثير الحقيقي للهجمات اليمنية لا يكمن في الإصابات المباشرة، بل في الشلل التدريجي الذي تفرضه على شرايين التجارة والسفر الحيوية. وعلى الرغم من أن صواريخ اليمن لم تصل فعلياً إلى مدرجات مطار بن غوريون، إلا أن تأثيرها اخترق قلب قطاع الطيران الإسرائيلي، محدثاً أضراراً بالغة.

سماء مغلقة بأوامر “المال” لا الصواريخ

تحت عنوان فرعي “إسرائيل تدافع عن سمائها – ولكن ليس عن مجالها الجوي”، يوضح فايزر أن شركات الطيران العالمية مثل “لوفتهانزا” و”الخطوط الجوية الفرنسية” و”KLM” وغيرها، ألغت رحلاتها أو قلصتها بشكل كبير، ليس بسبب تهديد مباشر لطائراتها، بل بسبب عامل واحد بسيط وحاسم: المال.

فمنذ بدء الهجمات اليمنية المساندة لغزة، صنفت شركات التأمين العالمية إسرائيل كـ “منطقة خطر”، هذا التصنيف يعني ببساطة ارتفاع تكاليف التأمين إلى مستويات جنونية، مما يجعل كل رحلة جوية من وإلى إسرائيل عملية تجارية خاسرة، والنتيجة، كما يقول الكاتب، هي أن إسرائيل تجد نفسها معزولة بشكل متزايد عن العالم، وقطاع الطيران المدني فيها يتضرر بشدة، دون أن يكون هناك تهديد مادي حقيقي للطائرات.

وهنا يكمن جوهر الاستراتيجية التي أشار إليها التقرير: لا حاجة لإصابة الهدف مباشرة، يكفي فقط جعله غير قابل للاستخدام اقتصادياً، “بدون هذا الدعم، لا يحتاج الحوثيون إلى احتلال مطار بن غوريون، بل يحتاجون فقط إلى جعله فارغاً”، يختتم فايزر تحليله، موجهاً دعوة للدولة الإسرائيلية لإنشاء صندوق تعويضات وتوفير شبكة أمان لشركات الطيران، وهو اعتراف ضمني بنجاح الضغط الاقتصادي.

من إيلات إلى حيفا: شريان بحري تحت التهديد

لا يقتصر تأثير الهجمات اليمنية على الأجواء فقط، بل يمتد إلى البحار التي تمثل الرئة الحقيقية للاقتصاد الإسرائيلي، فقد أدت الهجمات في البحر الأحمر وباب المندب إلى شلل شبه تام في ميناء إيلات، الذي كان يمثل البوابة الجنوبية لإسرائيل نحو آسيا والشرق الأقصى.

أجبرت هذه الهجمات سفن الشحن على تغيير مسارها حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح، مما أضاف آلاف الأميال والتكاليف الباهظة للرحلات، وهو ما انعكس سلباً على أسعار السلع وتوافرها في السوق الإسرائيلية.

ومع استمرار العدوان على غزة، يتصاعد التهديد اليمني ليشمل الهدف الأكبر والأكثر أهمية: ميناء حيفا. يعتبر ميناء حيفا العصب الرئيسي للتجارة البحرية الإسرائيلية، حيث يمر عبره أكثر من 60% من البضائع القادمة والمغادرة. إن أي استهداف أو حتى تهديد جدي ومستمر لهذا الميناء، سيؤدي إلى تطبيق نفس معادلة “مطار بن غوريون”؛ ستتردد شركات الشحن والتأمين في التعامل معه، مما يعني حصاراً اقتصادياً شبه كامل وعزلة غير مسبوقة.

إن التهديد بإغلاق ميناء حيفا لا يعني فقط وقف تدفق السلع الاستهلاكية، بل يمتد ليشمل المواد الخام اللازمة للصناعات الإسرائيلية، والمكونات الأساسية للقطاعات التكنولوجية المتقدمة التي تتباهى بها إسرائيل.

وقد بدأ الاقتصاد الإسرائيلي بالفعل بالشعور بوطأة هذه الاستراتيجية، حيث تشير التقديرات إلى انكماش في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع في معدلات التضخم، وتراجع في الاستثمارات الأجنبية. إن الجمع بين تكاليف الحرب الباهظة في غزة، والأضرار الاقتصادية الناجمة عن الهجمات اليمنية في البحر الأحمر، والتهديد المستمر للمجال الجوي والبحري، يخلق ضغطاً هائلاً على حكومة نتنياهو.

صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حذرت أمس الأحد، من أن عجز ميزانية إسرائيل يتفاقم جراء استدعاء الاحتياط وتمديد فترة الخدمة الإلزامية وشراء الذخائر، لافتة إلى أن ذلك العجز قد يؤدي إلى رفع الضرائب وتقليص الخدمات الاجتماعية.

وأفادت بأن الاقتصاد الإسرائيلي تكبد خسائر جسيمة نتيجة استمرار العمليات العسكرية وسوء إدارة السياسات المالية. ومنذ بداية الحرب، انكمش الاقتصاد بنسبة 1.5%، وتراجعت الصادرات والاستثمارات بشكل كبير، مما أثر سلبًا على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الإنفاق العسكري بشكل ملحوظ، حيث بلغ إجمالي الإنفاق على الحرب في غزة ولبنان خلال عام 2024 حوالي 168.5 مليار شيكل ( 46.81 مليار دولار)، ما يمثل 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 98.1 مليار شيكل (27.25 مليار دولار) في عام 2023، .

هذا الارتفاع في الإنفاق أدى إلى زيادة عجز الموازنة إلى 6.8% من الناتج المحلي. وتسبب استئناف الحرب أيضاً في تراجع قيمة الشيكل الإسرائيلي وهبوط السندات الحكومية، مما يعكس التأثيرات الاقتصادية المتزايدة للحرب.

في المحصلة، يبرهن اليمنيون، كما يوضح التقرير الإسرائيلي نفسه، على فهم عميق لديناميكيات الاقتصاد العالمي، ففي عالم متشابك يعتمد على سلاسل الإمداد والتأمين والربحية، لم تعد القوة العسكرية وحدها كافية لضمان الأمن. إن القدرة على جعل شريان اقتصادي حيوي “فارغاً” قد تكون أكثر فتكًا من أي صاروخ، وهو الدرس الذي تتعلمه إسرائيل اليوم بالطريقة الصعبة، بينما تواصل حرب الإبادة التي أشعلت كل هذه الجبهات ضدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش