هيومن رايتس ووتش: لا وجود لأي دليل على استخدام مطار صنعاء لأغراض عسكرية وتدميره جريمة حرب

تقارير | بقش
في تصعيد مدمر يلقي بظلال قاتمة على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية أصلاً في اليمن، تعرض مطار صنعاء الدولي لعدة جولات من الغارات الجوية الإسرائيلية، أدت إلى تدميره بالكامل وتدمير ما لا يقل عن ثماني طائرات مدنية (4 منها تابعة لشركة طيران اليمنية)، وفقاً لتقارير وتحليلات ميدانية.
وفيما دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى التحقيق في هذه الهجمات وهجمات أخرى شنتها حكومة صنعاء على مطار بن غوريون الإسرائيلي كجرائم حرب محتملة، فإن حجم الدمار في صنعاء يهدد بشل ما تبقى من شرايين الحياة لملايين اليمنيين، ويزيد من عزلة بلد يكافح لمواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، في ظل تراجع حاد في دعم المانحين.
أفادت التقارير وتحليل صور الأقمار الصناعية من قبل “هيومن رايتس ووتش” بأن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مطار صنعاء الدولي يومي 06 و28 مايو 2025، لم تقتصر على أضرار جزئية، بل أدت إلى تدمير شامل لكافة مرافق المطار الحيوية، بما في ذلك مباني الركاب، وبرج المراقبة، ومبنى التموين، والممرات، بالإضافة إلى تدمير ما لا يقل عن ثماني طائرات مدنية، من بينها كامل أسطول طائرات الركاب التجارية التابعة لشركة الخطوط الجوية اليمنية العاملة من صنعاء، وطائرات شحن أخرى.
يمثل هذا التدمير ضربة قاصمة للاقتصاد اليمني المنهك، فالطائرات المدمرة، التي تشكل أصولاً رأسمالية باهظة الثمن، هي خسارة لا يمكن تعويضها بسهولة للناقل الوطني وللقدرة التشغيلية المحدودة أصلاً للبلاد.
كما أن تدمير كافة مرافق المطار يعني فعلياً توقف أي نشاط جوي تجاري أو إنساني عبر هذا المنفذ الحيوي لأسابيع أو أشهر طويلة، مما يترتب عليه تكاليف إعادة إعمار هائلة تفوق قدرة اقتصاد يعاني من انكماش حاد، وفقاً لاطلاع بقش على تقرير هيومن رايتس ووتش.
وقد أكدت “نيكو جعفرنيا”، باحثة اليمن والبحرين في “هيومن رايتس ووتش”، أن “مطار صنعاء شريان حياة أساسي للمدنيين اليمنيين”، وأن “الجيش الإسرائيلي قطع هذا الشريان”، وهذا القطع لا يعني فقط خسارة اقتصادية، بل يعني أيضاً إغلاق المنفذ الرئيسي لملايين اليمنيين أمام العالم الخارجي، خاصة للمرضى الذين يحتاجون لعلاج غير متوفر في الداخل، والذين كانت فرصتهم الوحيدة هي السفر عبر هذا المطار، فتكاليف العلاج البديلة، إن وجدت، باهظة وتفوق قدرة الغالبية الساحقة من السكان.
وكان الجيش الإسرائيلي قد برر هجماته بأن المطار كان يُستخدم لأغراض عسكرية من قبل حكومة صنعاء، وهو ما نفته “هيومن رايتس ووتش” مؤكدة عدم عثورها على أدلة تدعم هذا الادعاء بشأن المرافق والطائرات المدنية التي تم قصفها.
أزمة إنسانية تتعمق: نقص التمويل الدولي يضاعف المعاناة
يزيد تدمير مطار صنعاء من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن، التي تواجه أصلاً تحديات جمة بسبب النقص الحاد في التمويل من المانحين الدوليين، وتشير أحدث بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 تعاني من فجوة تمويلية كارثية، حيث لم يتم توفير سوى جزء ضئيل من المليارات المطلوبة لتلبية الاحتياجات الأساسية.
هذا النقص الحاد يجبر وكالات الإغاثة على تقليص عملياتها الحيوية، وتفيد إحصائيات “أوتشا” بأن أكثر من ثلثي السكان في اليمن، أي ما يزيد عن 21 مليون شخص، بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية والحماية، ومن بين هؤلاء، يواجه ما لا يقل عن 17 مليون شخص مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي، مع وجود ملايين الأطفال على شفا المجاعة يعانون من سوء التغذية الحاد.
إن إغلاق مطار صنعاء، الذي وصفه مسؤولون أمميون بأنه “موقع مدني حيوي” لدخول المساعدات والعاملين في المجال الإنساني، يعرقل بشكل مباشر وصول الإمدادات الطبية والغذائية الأساسية إلى الفئات الأكثر ضعفاً في المناطق التي تسيطر عليها حكومة صنعاء، والتي تأوي غالبية سكان اليمن.
هجمات على بن غوريون: اضطرابات محدودة دون خسائر مباشرة
في سياق الردود المتبادلة، أشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الهجمات الإسرائيلية على مطار صنعاء جاءت بعد هجمات شنتها حكومة صنعاء على مطار بن غوريون الرئيسي في إسرائيل، ورغم أن هذه الهجمات، التي تم اعتراض معظمها، أثارت القلق وأدت إلى اضطرابات مؤقتة في حركة الملاحة الجوية وزيادة في التدابير الأمنية، إلا أنه لم يتم تسجيل أي إصابات في صفوف المدنيين أو أضرار مادية في الطائرات أو البنية التحتية الرئيسية للمطار الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن استهداف مطار دولي كبير مثل بن غوريون، حتى لو لم يسفر عن خسائر مباشرة، يمكن أن يكون له تداعيات اقتصادية غير مباشرة، تشمل ارتفاع تكاليف التأمين على شركات الطيران العاملة في المنطقة، وتأثير محتمل على ثقة المستثمرين والقطاع السياحي، فضلاً عن التكاليف المرتبطة بتعزيز أنظمة الدفاع الجوي.
أكدت “هيومن رايتس ووتش” على أن قوانين الحرب تحظر بشكل قاطع الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية بشكل متعمد أو عشوائي أو غير متناسب، ودعت إلى إجراء تحقيقات مستقلة في الهجمات على المطارين من الجانبين باعتبارها قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وشددت “نيكو جعفرنيا” على أن “القوات الإسرائيلية شنت مراراً هجمات غير قانونية على البنية التحتية المدنية الحيوية في اليمن وغزة ولبنان دون أي عقاب”، محذرةً الدول التي تستمر في تسليح إسرائيل من أنها “تخاطر بالتواطؤ في هذه الهجمات”.