الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

واشنطن تلوّح بعقوبات جديدة على روسيا.. ترامب أمام اختبار الموازنة بين الضغط وحماية “صفقة القرن” الأوكرانية

تلوح في الأفق جولة جديدة من التوتر في العلاقات الأمريكية الروسية، حيث كشفت مصادر مطلعة في واشنطن لرويترز عن وضع اللمسات النهائية على حزمة عقوبات اقتصادية إضافية ضد موسكو، تستهدف قطاعات حساسة في محاولة لدفع الكرملين نحو القبول بجهود الرئيس “دونالد ترامب” لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

غير أن هذه الاستعدادات تأتي وسط حالة من الشكوك العميقة حول إمكانية إقرار الرئيس ترامب لهذه الحزمة فعلياً، لا سيما في ظل تقارير وتحليلات يتابعها “بقش” تشير إلى أن هذه الخطوة قد تندرج ضمن تكتيكات الضغط المحسوبة أكثر من كونها توجهاً استراتيجياً حقيقياً، وذلك بهدف حماية مصالح اقتصادية أمريكية كبرى متمثلة في اتفاقية استغلال المعادن النادرة الموقعة يوم الخميس الماضي مع أوكرانيا.

أكد ثلاثة مسؤولين أمريكيين ومصدر مطلع، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن الإدارة الأمريكية انتهت من إعداد تفاصيل الحزمة الجديدة. وتشمل الأهداف المحتملة، وفق أحد المسؤولين، شركة طاقة روسية عملاقة مملوكة للدولة، بالإضافة إلى كيانات رئيسية أخرى تنشط في قطاعي الموارد الطبيعية والبنوك.

ورغم عدم الكشف عن تفاصيل دقيقة، يبدو أن الهدف هو زيادة الضغط الاقتصادي على موسكو لدفعها نحو طاولة المفاوضات بشروط تراها واشنطن مقبولة. وأشار المصدر المطلع إلى أن مجلس الأمن القومي الأمريكي يعمل على “تنسيق مجموعة من الإجراءات العقابية ضد روسيا”، مؤكداً أن الأمر برمته ينتظر الضوء الأخضر من الرئيس.

غموض يلف موافقة ترامب النهائية على الحزمة

على الرغم من اكتمال الإعداد الفني للحزمة، تبقى موافقة الرئيس ترامب النهائية هي كلمة السر المعلقة والمحاطة بالغموض. فبعد فترة بدا فيها ترامب متعاطفاً مع بعض المواقف الروسية ومقللاً من شأن العقوبات المفروضة سابقاً، ظهرت مؤشرات مؤخراً على نفاد صبره تجاه ما تعتبره واشنطن تعنتاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورفضه المستمر لدعوات وقف إطلاق النار الجادة.

وقد تعزز هذا الانطباع بعد لقاء ترامب “المثمر للغاية”، بحسب وصفه، مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الفاتيكان الأسبوع الماضي، وتلويحه بفرض عقوبات واسعة النطاق. لكن مسؤولاً أمريكياً ثانياً أكد أن القرار النهائي “يعود له تماماً”، مما يترك الباب مفتوحاً أمام كافة الاحتمالات.

يأتي التردد المحتمل في إقرار العقوبات في سياق استراتيجي واقتصادي بالغ الأهمية للإدارة الأمريكية، وهو توقيع اتفاقية استغلال المعادن النادرة في أوكرانيا يوم الأربعاء الماضي. هذه الصفقة، التي وصفت بأنها تاريخية وتحظى بدعم شخصي من ترامب الذي يعتبرها جزءاً من رؤيته لإعادة الاستقرار وتحقيق مكاسب اقتصادية، تمثل أولوية قصوى لواشنطن.

وتشير تحليلات سابقة للمرصد الاقتصادي بقش إلى أن الإدارة الأمريكية قد تتردد في اتخاذ أي خطوات تصعيدية كبيرة ضد روسيا قد تعرض هذه الصفقة للخطر. ففرض عقوبات قاسية، خاصة تلك التي قد تستهدف قطاع الطاقة الروسي بشكل فعال عبر “العقوبات الثانوية” (معاقبة دول ثالثة تتعامل مع روسيا)، قد يستفز موسكو ويدفعها لردود فعل عسكرية أو سياسية تعرقل بشكل مباشر بدء استغلال هذه الثروات المعدنية الحيوية في أوكرانيا، أو تقوض الاستقرار الأمني اللازم لذلك.

التهديد بالعقوبات: تكتيك ضغط أم تحول استراتيجي؟

بناءً على ما سبق، يرى مراقبون أن التلويح بالعقوبات الجديدة قد يكون تكتيكاً محسوباً يخدم أهداف ترامب المتعددة، أكثر من كونه تحولاً استراتيجياً حقيقياً نحو مواجهة شاملة مع روسيا. وكما أشار المرصد الاقتصادي بقش في تقارير سابقة، فإن نمط سياسات ترامب غالباً ما يعتمد على استخدام التهديدات القصوى كأداة لانتزاع تنازلات وتحقيق مكاسب تفاوضية، مع الاحتفاظ بمرونة التراجع أو عدم التنفيذ إذا تعارض ذلك مع مصالح اقتصادية مباشرة.

في هذه الحالة، قد يهدف ترامب من خلال التهديد بالعقوبات إلى الضغط على بوتين مبدئياً لدفعه نحو قبول وقف إطلاق نار أو هدنة، مما يوفر البيئة الآمنة اللازمة للمضي قدماً في مشروع المعادن الأوكرانية.

إلى جانب الضغط على بوتين يهدف ترامب إلى تحسين صورته والظهور بمظهر الرئيس القوي والحازم تجاه روسيا أمام الرأي العام الأمريكي والحلفاء الدوليين القلقين من سياسات موسكو، فضلاً عن تجنب المخاطر دون الحاجة لتفعيل العقوبات الأشد إيلاماً التي قد تؤدي إلى ردود فعل روسية غير محسوبة أو اضطرابات اقتصادية عالمية قد تضر بالمصالح الأمريكية نفسها، بما في ذلك صفقة المعادن.

هذا النهج يفسر التناقض الظاهري بين التهديدات الأخيرة والخطوات السابقة التي بدت تصالحية، مثل حل وحدة وزارة العدل لملاحقة الأوليغارشية الروسية، أو الجهود الدبلوماسية لمبعوثه الخاص “ستيف ويتكوف” التي تضمنت اقتراحات بتنازلات إقليمية.

يبقى التساؤل قائماً حول فعالية أي عقوبات جديدة قد يتم فرضها، في ظل نجاح روسيا النسبي في التكيف مع العقوبات السابقة وإيجاد أسواق بديلة لصادراتها، خاصة في آسيا. وقد أشار “كورت فولكر”، المبعوث الأمريكي السابق، إلى أن فرض “عقوبات ثانوية” على مبيعات النفط والغاز الروسي لدول كالهند والصين سيكون له الأثر الأكبر، لكن هذا النوع من العقوبات يحمل مخاطر دبلوماسية واقتصادية كبيرة للولايات المتحدة نفسها، وهو ما قد يجعل ترامب متردداً في استخدامه.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش