واشنطن تُلوّح بعقوبات جديدة ورفع الرسوم الجمركية على الهند بسبب النفط الروسي

الاقتصاد العالمي | بقش
في تصعيد جديد للخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والهند، هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع الرسوم الجمركية “بشكل كبير” على الواردات الهندية، خلال 24 ساعة، رداً على استمرار نيودلهي في استيراد النفط الروسي رغم العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، واعتبر ترامب أن الهند “لم تكن شريكاً تجارياً جيداً” متهماً إياها بالاستفادة من التجارة مع بلاده دون تقديم مقابل عادل.
تهديد ترامب يأتي بعد فرض واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 25% في يوليو الماضي على مجموعة واسعة من السلع الهندية، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الأمريكية على شركاء روسيا الاقتصاديين، ومحاولات واشنطن حصار صادرات الطاقة الروسية في أعقاب حرب أوكرانيا.
وقد أثارت تصريحات ترامب إدانات واسعة داخل الهند، حيث عبّر الحزب الحاكم والمعارضة عن رفضهما لما اعتبروه “تنمراً اقتصادياً” غير مبرر. وقال النائب عن حزب المؤتمر المعارض مانيش تيواري وفق اطلاع بقش إن تصريحات ترامب “تمس كرامة الهنود”، فيما نشر نائب رئيس حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم اقتباساً لهنري كيسنجر ينتقد فيه تقلب التحالفات الأمريكية.
بدورها، وصفت وزارة الخارجية الهندية التهديدات الأمريكية بأنها “غير مبررة وغير متسقة”، مشيرة إلى أن واشنطن والاتحاد الأوروبي يواصلان تجارة الطاقة مع روسيا في الوقت الذي ينتقدان فيه نيودلهي على مشترياتها من النفط الروسي.
النفط الروسي في قلب الصراع التجاري
تعد الهند اليوم أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحراً، حيث تستورد ما يقرب من 1.75 مليون برميل يومياً حسب قراءات بقش، وهو ما يمثّل قفزة كبيرة مقارنة بما قبل 2022. وتستخدم المصافي الهندية هذا النفط في إنتاج مشتقات تُصدّر لاحقاً إلى أوروبا، ما يعزز ربحيتها ويزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.
ووفقاً لبيانات بلومبيرغ، بلغ متوسط شحنات الخام الروسي المنقولة بحراً في الأسابيع الأربعة الماضية نحو 3.15 مليون برميل يومياً. ورغم انخفاض طفيف في الشحنات إلى آسيا، بما فيها الهند، لم يُلاحظ حتى الآن تأثير مباشر لتهديدات ترامب على تدفقات الخام.
رداً على التهديدات الأمريكية، أكدت وزارة الخارجية الهندية أنها ترى في الانتقادات الغربية “ازدواجية معايير”، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي وحده أجرى تجارة بقيمة 78 مليار دولار مع روسيا عام 2024، تضمنت واردات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال.
من جانبه، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن “الدول ذات السيادة لديها الحق في اختيار شركائها التجاريين”، مضيفاً أن المطالب الغربية بقطع العلاقات التجارية مع روسيا “غير قانونية” وتشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول.
تداعيات محتملة على التجارة العالمية
يشير مراقبون إلى أن تشديد القيود الأمريكية على صادرات النفط الروسي إلى دول مثل الهند قد يُحدث هزة في أسواق الطاقة، لا سيما مع توقعات بزيادة الإنتاج من تحالف “أوبك+”، مما يضع واشنطن أمام تحديات موازنة أسعار النفط مع أهدافها الجيوسياسية.
وبالنظر إلى موقع الهند كثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، فإن أي تصعيد تجاري مع نيودلهي قد يعقّد علاقات واشنطن مع أحد شركائها الاستراتيجيين في آسيا، ويؤثر على تدفقات التجارة العالمية في قطاعات حيوية.
تأتي هذه التوترات في وقت حساس يشهد إعادة رسم خريطة التحالفات العالمية، مع تصاعد النفوذ الروسي في آسيا وتنامي التنسيق الاقتصادي بين الهند وموسكو. ورغم شراكة استراتيجية معلنة بين الهند والولايات المتحدة، فإن المصالح الطاقوية تفرض على نيودلهي هامش تحرّك مستقل يصعب على واشنطن تحجيمه دون كلفة سياسية واقتصادية عالية.