وزير الخزانة الأمريكي يكشف عن مصير الرسوم الجمركية الأمريكية إذا حكمت المحكمة العليا بإيقافها

الاقتصاد العالمي | بقش
في خطاب يعكس ثقة سياسية وحذراً اقتصادياً في آن واحد، أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قادرة على إعادة تشكيل نظام الرسوم الجمركية حتى لو خسرت معركتها القضائية أمام المحكمة العليا. هذا التصريح الذي أدلى به في فعالية نظمتها نيويورك تايمز، يأتي في وقت تتزايد فيه التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، من تباطؤ قطاع الإسكان إلى تباطؤ الاستثمارات الصناعية المتأثرة بموجة الرسوم المتبادلة مع الشركاء التجاريين.
ورغم إشادته بالقوة النسبية للاقتصاد الأمريكي في 2025، شدد بيسنت على أن خفض أسعار الفائدة ما يزال ضرورياً لدعم النمو، مؤكداً أن عدداً من القطاعات “ضعيف بما يكفي ليتطلب تيسيراً نقدياً عاجلاً”. هذا الموقف يأتي متناغماً مع ضغوط البيت الأبيض على الاحتياطي الفدرالي للانتقال نحو دورة خفض فائدة أكثر جرأة، بينما تشير الأسواق إلى انقسام واسع حول قدرة البنك المركزي على الاستجابة دون الإضرار بالتضخم.
وتكشف تصريحات بيسنت التي تابعها مرصد “بقش” أن الإدارة تسعى إلى الجمع بين سياسة نقدية أكثر مرونة وسياسة تجارية أكثر صرامة، في استراتيجية تتجه نحو إعادة صياغة سلاسل الإمداد العالمية وتعزيز موقع الولايات المتحدة التفاوضي. كما أكد الوزير أن الرسوم الجمركية ليست مجرد إجراء مرحلي، بل يمكن أن تتحول إلى سياسة دائمة تُستخدم لتعديل سلوك الشركاء التجاريين، وعلى رأسهم الصين.
وتأتي هذه التطورات في سياق جيوسياسي حساس تُعاد فيه صياغة قواعد التجارة الدولية، فيما تواجه إدارة ترامب ضغوطاً قضائية وتشريعية تقيد قدرتها على فرض رسوم واسعة النطاق. ومع ذلك، يبدو أن بيسنت مصرّ على أن الأدوات التشريعية المتاحة – وخاصة المواد 301 و232 و122 من قانون التجارة – كافية لمنح الإدارة هامش المناورة المطلوب “بشكل دائم”.
الرسوم الجمركية… أداة باقية بغضّ النظر عن قرار المحكمة العليا
فتح سكوت بيسنت باباً واسعاً للتأويل حين أكد أن الإدارة ستستمر في تنفيذ خططها الجمركية “سواء ربحت القضية أمام المحكمة العليا أم لا”. ويشير هذا الموقف إلى أن الإدارة لا تعتمد فقط على شرعية الرسوم قيد الطعن، بل تعتبر الأدوات التشريعية الأخرى، مثل قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، مساراً بديلاً قد يتيح صلاحيات واسعة في فرض الرسوم.
وأكد بيسنت أن ترامب وضع معياراً يتمثل في فرض رسوم عالمية تتراوح بين 15% و20% على جميع الواردات، مشيراً إلى أن هذه الخطوة قيد الدراسة التنفيذية بالفعل. ويرى مراقبون أن هذا التحول – إن تم تطبيقه – سيشكل واحدة من أكبر العمليات الحمائية في تاريخ التجارة الأمريكية منذ قانون سموت-هاولي عام 1930.
وأشار الوزير إلى أن الإدارة قادرة على “إعادة صياغة الهيكل التعريفي بدقة” باستخدام أدوات مثل المادة 301 الخاصة بالتحقيقات التجارية ضد الدول، والمادة 232 المرتبطة بالأمن القومي، والمادة 122 التي تتيح فرض رسوم مؤقتة لمدة تصل إلى 150 يوماً. هذا التأكيد يعكس رغبة الإدارة في تجاوز أي قيود قانونية قد تفرضها المحكمة العليا على استخدام مهام الطوارئ.
كما أوضح بيسنت أن الهدف من هذه الإجراءات ليس تقويض التجارة، بل خلق “هيكل ضريبي عادل” – على حد وصفه – يدعم الوظائف في الداخل. ومع ذلك، تشير تقييمات اقتصادية مستقلة إلى أن هذه السياسات قد تدفع الشركات إلى خفض التوظيف أو زيادة الأسعار بحلول 2026، كما أشارت تحليلات سابقة.
الصين بين التصعيد التجاري واستمرار الالتزامات
توقف بيسنت عند ما وصفه بـ“النجاحات التجارية”، مستشهداً بالصين رغم التوترات المستمرة بين البلدين. وأكد أن الصين تمضي نحو استكمال التزاماتها لشراء 12 مليون طن من فول الصويا الأمريكي قبل نهاية فبراير 2026، وهو بند رئيسي في الاتفاق التجاري بين الطرفين.
وأوضح الوزير أن “رسوم الفنتانيل” التي فرضها ترامب أدت إلى تعاون صيني أكبر في الحد من دخول المواد المخدرة إلى الولايات المتحدة، مشيراً وفق اطلاع بقش إلى أن بكين تبدي “تقدماً ملحوظاً” في هذا الملف الحساس. ويُنظر إلى هذا التصريح على أنه محاولة للتأكيد على أن الرسوم ليست فقط أداة اقتصادية، بل ورقة ضغط سياسية وأمنية.
ورغم تلميح بيسنت إلى إمكانية تحول الرسوم إلى سياسة دائمة، إلا أنه أكد أن الإدارة ترى فرصة جيدة للفوز في القضية المنظورة أمام المحكمة العليا. ويعتقد مسؤولون في البيت الأبيض أن الإطار القانوني الحالي يمنح الرئيس مساحة واسعة لاتخاذ إجراءات تجارية دون العودة للكونغرس، رغم اعتراضات واسعة من المؤسسات التجارية.
كما لفت بيسنت إلى أن التوترات التجارية لا تهدف إلى فك الارتباط مع الصين، بل إلى “إعادة التوازن” لعلاقات التجارة. وهذا التصور يعكس موقف الإدارة الذي يقوم على الحفاظ على حجم التجارة الضخم مع بكين لكن بشروط جديدة.
الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغوط سياسية ومرشح مثير للجدل
امتنع بيسنت عن التعليق مباشرة على مرشح ترامب لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لكنه شدد على أن سلطة الرئيس داخل المجلس محدودة، وأن القرار النهائي للفائدة يعود إلى تصويت الأعضاء، بمن فيهم رؤساء البنوك الإقليمية. وهذا التصريح حسب قراءة بقش بدا محاولة لإظهار استقلالية شكلية للمجلس وسط جدل كبير حول ترشيح كيفن هاسيت.
ويُنظر إلى هاسيت – مدير المجلس الاقتصادي الوطني – على أنه أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الاحتياطي الفدرالي خلفاً لجيروم باول. ويؤكد اقتصاديون أن هاسيت قد يدفع نحو خفض أسرع للفائدة، مما قد يضعف الدولار لكنه قد يعزز مجالات مثل الإسكان والصناعات الثقيلة التي تضررت من ارتفاع التكلفة التمويلية.
وأشار بيسنت إلى أن قرار ترامب قد يُعلن بحلول عيد الميلاد، لكنه لم يستبعد أيضاً أنه قد يُرجأ إلى العام الجديد. وهذا التردد يعكس احتمال وجود خلافات داخل الإدارة حول توقيت الإعلان وتأثيره على الأسواق.
ويأتي الجدل حول الفيدرالي في وقت حساس، حيث تشير بيانات اقتصادية إلى موجة تباطؤ في قطاعات العقارات والتصنيع، بينما تُظهر قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والاستهلاك مرونة نسبية. وفي ظل هذا المشهد غير المتوازن، قد يمثل خفض الفائدة نقطة ارتكاز لتهدئة المخاطر المالية وتحفيز النمو.
وتعكس تصريحات سكوت بيسنت توجهاً واضحاً لإدارة ترامب نحو استخدام الأدوات التجارية والنقدية بصورة مترابطة لإعادة صياغة موقع الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.
فمن جهة، تسعى الإدارة لتكريس الرسوم الجمركية كأداة دائمة، ومن جهة أخرى تضغط لخفض الفائدة لدعم القطاعات المتأثرة بالتقلبات التجارية حسب تناولات بقش السابقة. وهذا المزيج يكشف عن محاولة لإدارة مرحلة اقتصادية مضطربة عبر مزيج من الحماية والتيسير.
وفي المقابل، يظل مدى قدرة واشنطن على تنفيذ هذه السياسات مرهوناً بقراريْن مفصلييْن: حكم المحكمة العليا بشأن شرعية الرسوم، واختيار رئيس الفدرالي الجديد. وكلا القرارين يمكن أن يعيد تشكيل أسواق الاستثمار، وأسعار الصرف، وقرارات الشركات بشأن التوظيف والإنتاج.
وبينما تسعى الإدارة لتقديم هذه السياسات بوصفها خطوات لتعزيز الاقتصاد، يرى مراقبون أن الأشهر المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة الولايات المتحدة على التوفيق بين السياسة التجارية العدوانية وتيسير نقدي مطلوب، دون دفع الاقتصاد نحو موجة تقلبات جديدة.


