تقارير
أخر الأخبار

وسط خلافات حادة وتوقعات بعودة الإغلاق.. واشنطن تنهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ أمريكا

تقارير | بقش

بعد 43 يوماً من الشلل الإداري والاقتصادي، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مشروع قانون ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، كمقدمة لحلحلة أزمة عصفت بالبلاد وشلّت قطاعات حيوية وأوقفت صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين.

يقضي المشروع الموقّع عليه بتمويل الحكومة حتى 30 يناير 2026، بما في ذلك استئناف المساعدات الغذائية المتوقفة ودفع أجور مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين، وتشغيل نظام مراقبة الحركة الجوية المتعطل، وعودة 670 ألف موظف حكومي سُرّحوا مؤقتاً، كما سيحصل عدد مماثل ممن بقوا في مناصبهم دون أجر منهم أكثر من 60 ألف مراقب حركة جوية وموظف أمن المطارات، على رواتبهم المتأخرة.

جاء التوقيع بعد ساعتين فقط من تصويت مجلس النواب على حزمة إنفاق مؤقتة أنهت أسابيع من التوترات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وأعادت فتح أبواب المؤسسات الحكومية تدريجياً اعتباراً من اليوم الخميس 13 نوفمبر، في خطوة وُصفت بأنها “استراحة مؤقتة” أكثر منها نهاية حقيقية للأزمة.

وفي مشروع قانون إنهاء الإغلاق الحكومي، تم إدخال بند سري يمنح أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الحق في مقاضاة الحكومة والحصول على تعويضات تصل إلى نصف مليون دولار لكل منهم بسبب مصادرة سجلات هواتفهم ضمن تحقيقات المستشار الخاص السابق جاك سميث في هجوم الكابيتول (6 يناير 2021) وفق اطلاع بقش على تقرير لنيويورك تايمز.

هذا البند أثار غضباً واسعاً من الحزبين في مجلس النواب، إذ اعتبره كثيرون “صفقة داخلية فاسدة” تم تمريرها في اللحظات الأخيرة لتأمين أصوات معينة.

معركة حزبية بامتياز

وافق مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، على مشروع القانون بأغلبية 222 صوتاً مقابل 209، بينما كان مجلس الشيوخ قد مرره في وقت سابق من الأسبوع نفسه. وأظهرت جلسة التصويت انقساماً حاداً على أسس حزبية واضحة، رغم انضمام ستة ديمقراطيين إلى الجمهوريين في تمرير المشروع وفق متابعة “بقش”، في حين عارضه نائبان جمهوريان فقط هما “توماس ماسي” من كنتاكي و”جريج ستيوب” من فلوريدا.

أما في مجلس الشيوخ، فقد قرر ثمانية ديمقراطيين كسر صفوف حزبهم والانضمام إلى الجمهوريين بعد أن امتد الإغلاق لأسابيع، ما أثار غضباً واسعاً في صفوف الديمقراطيين الذين رأوا في الخطوة “خيانة سياسية” للموقف الحزبي الموحد.

خلال مراسم التوقيع في البيت الأبيض، وبحضور قيادة مجلس النواب الجمهوري وعدد من رجال الأعمال، قال ترامب: “بتوقيعي، ستستأنف الحكومة الفيدرالية الآن عملياتها العادية”.

وأضاف مهاجماً خصومه: “لقد مارس الديمقراطيون الابتزاز، وألحقوا الضرر بالسفر الجوي وبرواتب العمال الفيدراليين، لكن الشعب الأمريكي لن ينسى ما فعلوه ببلدنا”.

رغم ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأمريكيين يلقون باللوم على الجمهوريين في الإغلاق، معتبرين أنه كان نتيجة مباشرة لتصلب موقف إدارة ترامب.

وبرزت الخلافات الداخلية بوضوح في كلا الحزبين خلال مفاوضات إنهاء الإغلاق. فبينما سعى الجمهوريون لتقديم اتفاق خالٍ مما وصفوه بـ”حبوب السمّ الحزبية” التي طالب بها الديمقراطيون -وعلى رأسها تمديد إعانات الرعاية الصحية الفيدرالية- رفض الديمقراطيون الاستسلام دون مكاسب اجتماعية ملموسة.

الديمقراطيون الستة الذين صوتوا لصالح مشروع القانون مثلوا مناطق انتخابية متأرجحة، ما جعلهم عرضة لهجوم من داخل حزبهم، حيث رأت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز أن إدارة ترامب ألحقت “قسوة غير مبررة” بالشعب الأمريكي خلال الإغلاق، قائلة: “لا يمكننا تمكين هذا النوع من القسوة بجبننا”.

أما الزعيم الديمقراطي حكيم جيفريز، فقد أعلن أن حزبه سيتقدم بـ”التماس إبراء ذمة” لإجبار المجلس على التصويت على تمديد دعم الرعاية الصحية لمدة ثلاث سنوات، مؤكداً: “إما أن يقرر الجمهوريون تمديد الإعفاءات الضريبية لقانون الرعاية الميسرة، أو أن الشعب الأمريكي سينهي رئاسة دونالد ترامب للأبد”.

خسائر فادحة وآثار مستمرة

قدّر اقتصاديون أن الإغلاق كلف الاقتصاد الأمريكي أكثر من عُشر نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي عن كل أسبوع من الأسابيع الستة الماضية حسب مراجعة بقش، في حين أضاف مشروع القانون الجديد نحو 1.8 تريليون دولار سنوياً إلى الدين العام البالغ أكثر من 37 تريليون دولار.

رغم أن معظم هذه الخسائر يُتوقع تعويضها خلال الأشهر المقبلة، فإن الفجوة في البيانات الاقتصادية قد تكون دائمة، فقد أعلن البيت الأبيض أن تقريرَي الوظائف ومؤشر أسعار المستهلكين لشهر أكتوبر 2025 ربما لن يُنشرا أبداً بسبب توقف أجهزة الإحصاء خلال الإغلاق.

ومن أبرز الآثار المباشرة لإنهاء الإغلاق، استئناف المساعدات الغذائية (برنامج SNAP) لأكثر من 40 مليون أمريكي خلال ساعات، وعودة رواتب الموظفين الذين تم تسريحهم، مع ضمان تعويضهم بأثر رجعي، وتعافي قطاع الطيران ومراقبة الحركة الجوية نسبياً مع اقتراب موسم عطلة عيد الشكر، وإعادة إصدار البيانات الاقتصادية الرئيسية واستئناف النشاط الإداري والمالي في المؤسسات الحكومية.

ورغم أن إعادة فتح الحكومة بعثت الارتياح لدى ملايين الأمريكيين، إلا أنها لم تُنهِ جذور الأزمة. فالإغلاق، الذي دخل التاريخ الأمريكي من أوسع أبوابه، كشف هشاشة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعمّق الانقسامات الحزبية حول قضايا جوهرية مثل الإنفاق العام والرعاية الصحية والدين الوطني.

كما تركت الأزمة آثاراً على صورة الولايات المتحدة الاقتصادية، إذ هزّت ثقة المستثمرين مؤقتاً وطرحت تساؤلات حول قدرة النظام السياسي الأمريكي على إدارة خلافاته دون اللجوء إلى شل مؤسسات الدولة.

وبدا توقيع ترامب بداية جديدة لمعركة سياسية طويلة بين الجمهوريين والديمقراطيين حول دور الدولة في الاقتصاد والرعاية الاجتماعية، ومع أن عجلة الحكومة الفيدرالية بدأت تدور من جديد، إلا أن العد التنازلي لإغلاق محتمل آخر بدأ فعلياً.

زر الذهاب إلى الأعلى