2.1 مليون حاوية في طريقها إلى أوروبا: ماذا تعني إعادة فتح قناة السويس لأسواق الشحن العالمية؟

أخبار الشحن |بقش
بعد أشهر من التوترات في البحر الأحمر وإعادة توجيه حركة السفن حول رأس الرجاء الصالح، تلوح في الأفق عودة محتملة للملاحة عبر قناة السويس عقب وقف إطلاق النار في قطاع غزة. هذا التطور، بحسب تحليل جديد لشركة Sea-Intelligence الدنماركية، اطلع عليه مرصد بقش، يمكن أن يُحدث تسونامي لوجستي مؤقت يضرب الموانئ الأوروبية بفيض من الحاويات العالقة منذ مطلع العام.
وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 2.1 مليون حاوية مكافئة (TEU) -أي نحو 6.5% من إجمالي أسطول الحاويات العالمي- ما زالت عالقة في المسارات الطويلة حول القارة الإفريقية، بسبب توقف الملاحة عبر البحر الأحمر منذ تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية.
وفي حال إعادة فتح القناة، فإن هذه السعة ستُطلق دفعة واحدة إلى الأسواق، مما قد يؤدي إلى تكدس غير مسبوق في الموانئ الأوروبية خلال الأسابيع الأولى من العودة.
التحليل الذي نُشر في العدد 737 من صحيفة صنداي سايت يسلط الضوء على أن عودة الملاحة عبر السويس ستكون حدثاً اقتصادياً ولوجستياً ضخماً، يحمل مزيجاً من الإيجابيات التشغيلية والمخاطر قصيرة الأمد على سلاسل الإمداد.
طوفان الحاويات المنتظر: عودة السويس تُحرر 2.1 مليون وحدة
وفق تحليل “سي إنتليجنس”، تُستهلك حالياً نحو 2.1 مليون حاوية مكافئة من الطاقة التشغيلية العالمية في الرحلات الطويلة حول إفريقيا. وحسب قراءة بقش، يُقدّر أن الخطوط الملاحية بين آسيا وأوروبا تحتاج إلى أربع سفن إضافية لكل دورة بسبب المسافة الممددة عبر رأس الرجاء الصالح، ما يخلق ضغطاً دائماً على الأسطول العالمي.
لكن العودة إلى قناة السويس ستعني فوراً تحرير هذه الطاقة التشغيلية، وتقليص مدة الرحلات بين آسيا وأوروبا بنحو 10 إلى 14 يوماً، مما سيعيد انسيابية تدفق السلع العالمية.
وفي الوقت ذاته، يحذر التقرير من أن تحرير السعة بهذه السرعة سيولد موجة وصول مفاجئة للبضائع إلى الموانئ الأوروبية، وهو ما قد يُربك جدول تفريغ الشحنات ويعيد مشاهد الازدحام التي شهدتها أوروبا في ذروة أزمة الشحن عام 2021.
وتتوقع الشركة أن يتضاعف تدفق الشحنات الآتية من آسيا إلى أوروبا خلال أسبوعين فقط من استئناف العبور، في سيناريو يشبه “انفجاراً مؤقتاً في سعة السوق” قبل أن تعود المستويات إلى طبيعتها تدريجياً.
الموانئ الأوروبية على خط النار
تشير النماذج التشغيلية التي أعدتها Sea-Intelligence إلى أن الموانئ الأوروبية قد تواجه زيادة مؤقتة بنسبة 39% في أحجام الشحن مقارنة بأعلى مستوى سُجّل في مارس 2025 وفق مراجعة بقش، في حال العودة المفاجئة إلى المسار عبر السويس.
حتى لو تم تنفيذ العودة تدريجياً على مدى ثمانية أسابيع، فستظل الزيادة المتوقعة تتجاوز 10% عن القمم التاريخية، وهو ما يكفي لإحداث اختناقات لوجستية في الموانئ الرئيسية مثل روتردام، وهامبورغ، وأنتويرب.
ويُحذر الخبراء من أن الاستئناف غير المنظم للملاحة عبر السويس يمكن أن يُغرق محطات الحاويات الأوروبية بموجة من الشحنات المؤجلة، ما يؤدي إلى تكدس في مناطق التخزين وشلل في شبكات النقل البري والسككي المرتبطة بالموانئ.
ويُشبه أحد المحللين في التقرير هذا السيناريو بـ“فتح سد لوجستي ضخم بعد أشهر من الاحتباس”.
تقلبات في الأسعار وسوق الشحن العالمي
على المستوى العالمي، تتوقع Sea-Intelligence أن تُحدث عودة القناة توازناً متوسط الأجل في إمدادات السفن، لكنها في الوقت ذاته قد تتسبب بـتقلبات حادة في أسعار الشحن البحري على المدى القصير.
إذ من المرجح أن تعود السعة التشغيلية بسرعة تفوق وتيرة الطلب، ما يؤدي إلى انخفاض مؤقت في أسعار النقل البحري قبل أن يستقر السوق مجدداً.
كما تتوقع الدراسة اضطرابات مرحلية في الجداول الزمنية، وإعادة تنظيم للخطوط الملاحية العالمية، وتبادل سريع للحاويات الفارغة بين الموانئ لتعويض الخلل الذي أحدثته الشهور الماضية.
ويُرجح أن تستمر هذه “الفترة الانتقالية” لعدة أسابيع، حتى تستقر أنماط الشحن الجديدة ويتأقلم القطاع مع عودة الطريق الأقصر بين آسيا وأوروبا.
موقف الشركات وخطة العودة التدريجية
يقول آلان مورفي، الرئيس التنفيذي لشركة Sea-Intelligence، إن هذا السيناريو لا يمثل “تنبؤاً زمنياً” بقدر ما هو تحليل كمي للآثار التشغيلية المحتملة، مؤكداً أن “إعادة الفتح المنسقة والمرحلية” هي الحل الأمثل لتجنب فوضى لوجستية.
ويضيف مورفي أن التنسيق بين خطوط الملاحة والسلطات المينائية الأوروبية سيكون “حاسماً” في توزيع تدفقات الشحن على مراحل بدلاً من إطلاقها دفعة واحدة.
وتوصي الشركة بأن يتم جدولة العودة على مدى ثمانية أسابيع، بحيث يتم إدخال الرحلات تدريجياً في الممر السويسي مع مراقبة مستويات الازدحام في الموانئ الأوروبية، لتفادي تراكم الحاويات في المخازن والموانئ الجافة.
ورغم ذلك، تُقر الدراسة بأنه حتى “أفضل السيناريوهات المنسقة” لن تمنع بالكامل التكدسات المؤقتة في المحطات الأوروبية، بالنظر إلى ضيق المساحات وسعة المناولة الحالية.
إعادة فتح قناة السويس بعد شهور من الانقطاع، نتيجة أزمة البحر الأحمر، قد تمثل أكبر حدث لوجستي في قطاع الشحن العالمي خلال العقد الأخير، إذ ستعيد ترتيب مسارات التجارة وتحرر ملايين الحاويات من عزلتها البحرية.
لكن هذه الانفراجة قد تتحول في أسابيعها الأولى إلى فوضى تشغيلية مؤقتة، خاصة في الموانئ الأوروبية التي لم تتعافَ بعد من اضطرابات السنوات الماضية.
وبين التفاؤل بانسيابية الشحن والقلق من “طوفان الحاويات”، يترقب العالم كيف ستتعامل شركات النقل الأوروبية والآسيوية مع العودة المفاجئة إلى شريان التجارة التاريخي الذي لطالما شكّل العمود الفقري لحركة التجارة بين الشرق والغرب.
إذ تبدو قناة السويس اليوم -كما كانت دوماً- ميزاناً دقيقاً للتوازن بين التجارة والاستقرار، وأي حركة فيها قد تُعيد رسم الخريطة الاقتصادية للبحار من جديد.


