الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

400 مليون دولار لخط جديد لغاز إسرائيل.. القاهرة تعمّق اعتمادها على تل أبيب

الاقتصاد العربي | بقش

في خطوة جديدة تعكس تعمّق التعاون الطاقي بين القاهرة وتل أبيب، تستعد الحكومة المصرية لتشييد خط أنابيب جديد مخصص لاستقبال الغاز الإسرائيلي، بتكلفة تقدّر بنحو 400 مليون دولار.

الخط سيُقام بالكامل داخل الأراضي المصرية، ويهدف إلى استيعاب الكميات الإضافية التي تم الاتفاق على استيرادها أخيراً، وذلك وفق ما أفاد به مسؤولان مصريان تحدثا لـ”بلومبيرغ”.

ووفق المعطيات المتوفرة، فإن الشركة المصرية للغازات الطبيعية “جاسكو” مرشحة لتولي تنفيذ المشروع فور اكتمال الدراسات الفنية والهندسية، بينما ستتولى شركة “نيو ميد إنرجي”، الشريك الرئيس في حقل ليفياثان الإسرائيلي، مدّ الخط وربطه داخل إسرائيل.

صفقة غاز هي الأضخم بين البلدين

هذه التطورات تأتي استكمالاً لتعديل جذري في اتفاق تصدير الغاز تم توقيعه خلال الشهر الجاري مع “نيو ميد إنرجي”، والذي أضاف نحو 4.6 تريليون قدم مكعب (130 مليار متر مكعب) من الغاز إلى الاتفاقية الأصلية. وتنص المرحلة الأولى من هذا التعديل على تصدير نحو 706 مليارات قدم مكعب (20 مليار متر مكعب) فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

أما المرحلة الثانية فوفق اطلاع مرصد بقش، تشمل تصدير ما يصل إلى 3.9 تريليون قدم مكعب (110 مليارات متر مكعب) شريطة توسعة البنية التحتية اللازمة، مع تمديد التوريد حتى عام 2040 أو حتى نفاد الكميات المقررة. وبهذا يرتفع الحجم الكلي للغاز المتفق عليه إلى 4.6 تريليون قدم مكعب، لتصبح الصفقة الأكبر على الإطلاق بين مصر وإسرائيل في مجال الطاقة.

تسعى القاهرة عبر هذه الخطوة إلى سد فجوة واسعة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، إذ بلغ استهلاك مصر في عام 2024 نحو 60 مليار متر مكعب، بينما لم يتجاوز الإنتاج 47.5 مليار متر مكعب. هذا النقص الحاد دفع الحكومة إلى الاعتماد بشكل متزايد على الغاز المستورد من إسرائيل وقبرص لتلبية الطلب الداخلي، بعد أن كانت مصر قد توقفت تقريباً عن تصدير الغاز المسال.

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أكد مؤخراً أن بلاده تراهن على عودة التصدير بحلول عام 2027، مع ارتفاع متوقع للإنتاج المحلي إلى 6.6 مليار قدم مكعب يومياً، مقارنةً بـ4.1 مليار قدم مكعب حالياً.

التمويل والتزامات الأطراف

بحسب ما كشفه المسؤولون، تتحمل القاهرة تكلفة الخط كاملاً، فيما تضمن “نيو ميد إنرجي” الأعمال المتعلقة بمده وربطه داخل إسرائيل. وتراهن مصر على أن يسهم المشروع في تعزيز موقعها كمركز إقليمي لتجارة وتسييل الغاز، رغم أن خططها في هذا المجال ما تزال شبه متوقفة بسبب فجوة الإنتاج والطلب المحلي.

الصفقة الأخيرة ليست معزولة عن سلسلة اتفاقيات اقتصادية متنامية بين الجانبين حسب متابعات بقش. ففي عام 2019، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاقاً لتوريد 60 مليار متر مكعب من الغاز إلى القاهرة. وفي أغسطس 2025، أعلنت إسرائيل عن أكبر صفقة غاز في تاريخها بقيمة 35 مليار دولار، لتوريد 130 مليار متر مكعب لمصر حتى عام 2040.

ومع التعديلات الجديدة التي وُقعت الشهر الجاري، تضاعفت الكميات المتفق عليها أكثر من مرتين، وهو ما عزز موقع إسرائيل كمورد محوري للغاز في شرق المتوسط، ومكّن مصر من ضمان إمدادات مستقرة لمحطاتها الكهربائية ومحطات الغاز المسال.

ورغم المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل، يثير خبراء الطاقة مخاوف من أن اعتماد مصر المتزايد على الغاز الإسرائيلي قد يضعها في موقع هش أمام تقلبات المنطقة السياسية والأمنية. غير أن القاهرة تراهن على أن هذه المشاريع ستعزز مكانتها كمحور إقليمي للطاقة، وتدعم اقتصادها في ظل أزمة طاقة خانقة تعاني منها منذ سنوات.

وحتى مع اعتبار القاهرة للاتفاق خطوةً استراتيجية تعزز موقعها كمركز إقليمي للطاقة، إلا أن الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي يجعلها رهينة لتقلبات سياسية وأمنية خارجة عن سيطرتها. فأي اضطراب في شرق المتوسط أو توقف مؤقت في إنتاج حقل ليفياثان، سواء بسبب نزاعات عسكرية أو هجمات على البنية التحتية، كفيل بتعطيل إمدادات الغاز إلى مصر، وهو ما يهدد أمنها الطاقي في لحظات حرجة.

ورقة ضغط إسرائيلية وعبء مالي واستراتيجي

الصفقة تمنح تل أبيب ورقة ضغط مباشرة على الاقتصاد المصري. فكلما ارتفعت درجة اعتماد القاهرة على الغاز الإسرائيلي لتشغيل محطات الكهرباء وتسييل الغاز، كلما تضاءل هامش مناورتها في الملفات السياسية الإقليمية.

وبذلك قد تتحول الطاقة إلى أداة ابتزاز سياسي، خاصة في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة وتعثر مسار التطبيع في المنطقة، ما يفتح الباب أمام احتمالية استخدام هذه الورقة في أوقات التوتر.

من الناحية الاقتصادية، يُثير الاتفاق مخاوف تتعلق بالجدوى طويلة المدى حسب قراءة بقش. فبدلاً من الاستثمار في رفع الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الاستيراد، تجد مصر نفسها مضطرة لتحمّل تكاليف بنية تحتية ضخمة تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات لخدمة واردات الغاز الإسرائيلي تحديداً. هذا النهج قد يفاقم من أزمتها المالية، خصوصاً مع تزايد الضغوط على الموازنة العامة وارتفاع فاتورة خدمة الديون الخارجية.

على المدى البعيد، يخشى خبراء أن تؤدي هذه الصفقة إلى تقليص استقلالية القرار الطاقي المصري، بحيث تصبح القاهرة أقل قدرة على صياغة سياسة طاقة مستقلة تستند إلى مصالحها الوطنية.

وإذا ما استمرت إسرائيل في تعزيز مكانتها كمورد محوري للغاز في المنطقة، فإن مصر قد تجد نفسها في موقع التابع لا الشريك، وهو ما يطرح تساؤلات حول كلفة هذه “التبعية الطاقية” وما إذا كانت ستمثل عبئاً استراتيجياً على مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش