العقوبات الأمريكية على النفط الروسي تُشعل اضطرابات عالمية وتُعيد رسم خريطة الطاقة

في ظل تصاعد المواجهات الجيوسياسية، أطلقت الولايات المتحدة مؤخراً سلسلة عقوبات جديدة استهدفت ناقلات النفط الروسي، مما أثار موجة اضطرابات غير مسبوقة في الأسواق العالمية، وعجّل بتحوّلات جذرية في تحالفات الطاقة، وسط مخاوف من تداعيات اقتصادية طويلة الأمد.
بتاريخ 10 يناير 2025، شددت واشنطن إجراءاتها ضد موسكو عبر استهداف ناقلات تحمل الخام الروسي منخفض التكلفة، في محاولة لخنق إيراداتها النفطية بعد ثلاث سنوات من غزو أوكرانيا.
وأدت هذه الخطوة إلى شلّ حركة ملايين البراميل الروسية الموجهة للصين والهند، أكبر مستوردي النفط عالمياً، ما دفع الأسواق إلى البحث عن بدائل من خامات الشرق الأوسط وأفريقيا، وارتفعت الأسعار بشكل حاد.
تحولات سريعة في تجارة الخام ومسارات الشحن
أظهرت بيانات شركة “كبلر” أن الصين تستعد لاستقبال أول شحنة من النفط الكازاخستاني “سي بي سي” في مارس، بعد توقف دام منذ يونيو الماضي، بينما لجأت الهند إلى تفعيل اتفاقية بقيمة 13 مليار دولار مع “روسنفت” الروسية لتأمين الإمدادات. لكن العقوبات قلصت الخصومات على خام “الأورال” الروسي من 3.5 دولار إلى 2.5 دولار للبرميل، مما رفع تكلفة الاستيراد على المصافي الهندية.
تأثيرات على أسعار الخام والشحن
قفزت علاوات خام دبي وعمان ومربان بأكثر من الضعف في يناير، بينما رفعت “أرامكو” السعودية أسعارها لآسيا إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر 2023.
وفي انعكاس للطلب المتصاعد، ارتفعت تكاليف شحن النفط بشكل كبير، حيث اضطر المتعاملون إلى الاعتماد على ناقلات غير خاضعة للعقوبات بتكاليف تفوق المعدلات السابقة بملايين الدولارات لكل شحنة.
إلى جانب الأزمة الروسية، تشهد إيران تراجعاً حاداً في صادراتها النفطية إلى الصين بسبب الضغوط الأمريكية، حيث تتوقع “غولدمان ساكس” انخفاض إنتاج طهران بمليون برميل يومياً، وارتفاع سعر خام برنت إلى 80 دولاراً بحلول مايو.
كما وصلت المخزونات العائمة للنفط الإيراني إلى أعلى مستوى في 14 شهراً، بينما يتوقع أن تصل المخزونات الروسية العائمة إلى 50 مليون برميل بنهاية النصف الأول من 2025.
استباق الأزمات من الهند والصين.. وتضخم مرتقب
قبل أسابيع من الإعلان الرسمي، حذّرت السلطات الهندية مصافيها من العقوبات الوشيكة، مما دفعها إلى تعزيز مخزوناتها عبر صفقات استباقية.
من جهتها، فرضت موانئ مقاطعة شاندونغ الصينية قيوداً على سفن مشمولة بالعقوبات، في خطوة يُعتقد أنها مرتبطة بالتحذيرات الأمريكية.
أكد متعاملون في سنغافورة وأنغولا أن الارتباك السائد دفع مصافٍ صينية إلى إيقاف عملياتها مؤقتاً لتجنب خسائر تقدر بـ500 يوان للطن الواحد.
وفي الهند، رفضت المصافي عروضاً من شركة “سوفكومفلوت” الروسية لتلقي مدفوعات بالروبية عبر ناقلات مُستهدفة، خشية العقوبات الثانوية.
تحذيرات من تداعيات أوسع
حذر محللو “غولدمان ساكس” من أن استمرار الأزمة قد يُعيد رسم سياسات الطاقة العالمية، مع اتجاه الدول إلى تنويع مصادرها بعيداً عن النفط الروسي والإيراني.
وأكدوا أن الأسواق تدخل مرحلة “حرب باردة طاقية”، حيث تُسرع القوى الصاعدة لملء الفراغ عبر تعزيز تحالفات جديدة، بينما تترقب الأسواق موجة تضخم قد تعيد تعريف كلفة الطاقة عالمياً.
هكذا، تتحول العقوبات من أداة ضغط سياسي إلى عامل مُحرّك لزلازل اقتصادية، تُعيد ترتيب أولويات الطاقة في عالمٍ يتشبث بأملٍ واهن في استقرارٍ لم يعد ضمن الحسابات.