الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

انتشار الليرة التركية في سوريا يُنذر بأزمات اقتصادية ونداءات لتعزيز العملة المحلية

تشهد سوريا توسعاً ملحوظاً في استخدام الليرة التركية كعملة تداول رئيسية، بعدما كانت محصورة سابقاً في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة.

ومع عودة آلاف النازحين إلى مناطقهم الأصلية في العاصمة دمشق ومحافظات أخرى، برزت ظاهرة الاعتماد على العملة التركية كوسيلة لحفظ المدخرات، وسط انهيار مستمر لقيمة الليرة السورية بسبب تداعيات الحرب الطويلة والأزمات الاقتصادية المتراكمة.

باتت الليرة التركية تُستخدم بشكل واسع في المعاملات اليومية، بدءاً من دفع أجور العمال وصولًا إلى شراء السلع الأساسية. ففي محافظة إدلب (شمال)، يتقاضى العاملون في قطاع البناء ما بين 50 إلى 100 ليرة تركية يومياً، مقابل 10 ساعات عمل، وهو ما يعادل نحو 15 ألف ليرة سورية، وفقًا لمصادر ميدانية.

بينما في دمشق، تشهد محلات الصرافة إقبالاً متزايداً على استبدال الليرة التركية، خاصةً من قِبل العائلات التي تعتمد على تحويلات أبنائها العاملين في تركيا، سواء في القطاعات الرسمية أو غير النظامية.

الأسباب: بين انهيار العملة المحلية وتدفق التحويلات

يعزو خبراء اقتصاديون هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها:

  • انهيار الليرة السورية: التي فقدت قيمتها أمام العملات الأجنبية بسبب تضخم تجاوز 300% خلال السنوات الأخيرة، وفق تقديرات دولية.
  • تحويلات المغتربين: يُحوِّل العمال السوريون في تركيا جزءًا من رواتبهم — التي تتراوح بين 400 و2500 ليرة تركية شهرياً — إلى عائلاتهم داخل سوريا.
  • التحركات التركية: تُضخ الليرة التركية عبر 11 مركز بريد تركيًّا منتشراً في مدن شمالية مثل جرابلس والباب وعفرين، حيث تتولى الجهات التركية دفع رواتب الموظفين في المناطق التي كانت تُدار سابقاً بواسطة “المعارضة”.

التحديات: مخاطر التضخم المستورد وغياب الرقابة

يحذّر خبراء من تداعيات خطيرة لانتشار العملة التركية، مثل التضخم المُستورد بسبب ارتباط الاقتصاد السوري بالتقلبات التي تواجهها الليرة التركية، والتي شهدت هي الأخرى تراجعاً قياسياً أمام الدولار في الأعوام الأخيرة.

كما يعد تفاوت الأسعار من أبرز المخاطر بسبب تعدد العملات المتداولة (الليرة السورية، التركية، والدولار)، ما يعقّد عمليات التسعير ويُربك الأسواق، وذلك إلى جانب غياب السيادة النقدية، حيث يُشكل الاعتماد على عملة أجنبية انتهاكاً للقانون النقدي السوري، الذي يُلزم بالتعامل بالليرة المحلية فقط.

مبادرات مقترحة واستجابة رسمية غائبة

طُرحت عدة حلول لمعالجة الأزمة، منها إصدار فئات نقدية سورية كبيرة (مثل 10 آلاف أو 25 ألف ليرة) لتبسيط المعاملات، وتنظيم عمل الصرافين عبر فرض رقابة صارمة على أسعار الصرف، إلا أن غياب سياسة نقدية واضحة من المصرف المركزي السوري — الذي واصل سياسة “تجفيف السيولة” منذ عهد النظام السابق — حال دون تنفيذ هذه المقترحات، وفق مصادر في القطاع المالي.

وأدّى تعدد العملات إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية بين المناطق، حيث تتفاوت أسعار السلع بين المحافظات الشمالية (المتعاملة بالليرة التركية) والمناطق الأخرى.

كما يزيد هذا الوضع من صعوبة إعادة إعمار النظام المصرفي واستعادة ثقة المواطنين، الذين يُفضّلون تخزين مدخراتهم بالعملات الأجنبية أو تحويلها إلى أصول عقارية.

في ظل هذا المشهد، تُطالب أوساط اقتصادية بخطوات عاجلة لتعزيز الليرة السورية، عبر إصلاحات هيكلية تشمل تحفيز الإنتاج المحلي، وجذب التحويلات عبر القنوات الرسمية، وإعادة هيكلة السياسة النقدية بما يضمن استقرار الأسعار وحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى