قمة تاريخية لأونصة الذهب.. الدولار المتراجع وتوترات التجارة العالمية يدفعان المعدن النفيس إلى 3400+ دولار

في ظل مناخ اقتصادي عالمي مشوب بالقلق، وتراجع مستمر لقيمة الدولار الأمريكي، واصل الذهب رحلة صعوده المذهلة، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً اليوم الاثنين. تجاوز سعر الأونصة حاجز 3400 دولار، مدفوعاً بإقبال المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن وسط تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، والمخاوف المتزايدة من تباطؤ النمو العالمي.
تراجع الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته في أكثر من ثلاث سنوات لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لتضافر عوامل أبرزها الهجوم الذي شنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سياسات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي، إضافة إلى حالة عدم اليقين التي تحيط بالسياسات التجارية الأمريكية والرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها.
هذا الضعف في العملة الخضراء جعل الذهب، المقوم بالدولار، أقل تكلفة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما زاد من جاذبيته بشكل كبير.
تلقي التوترات التجارية المتصاعدة بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمي. فالرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، والغموض المحيط بمستقبل العلاقات التجارية، دفعت المستثمرين للبحث عن ملاذات بعيدة عن الأصول الأمريكية، خوفاً من تباطؤ أكبر اقتصاد في العالم.
وفي هذا السياق، جاء التحذير الصيني للدول الأخرى من مغبة إبرام اتفاقات اقتصادية واسعة مع الولايات المتحدة على حساب مصالح بكين، ليزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
فعلياً، شهدت أسعار الذهب الفورية قفزة بنسبة 2.2% لتستقر عند 3401.49 دولار للأونصة بحلول الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش اليوم الاثنين، وذلك بعد أن كانت قد لامست قمة تاريخية غير مسبوقة عند 3403.90 دولار في وقت سابق من الجلسة.
كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بنسبة 2.6% مسجلة 3413.90 دولار. ويُنظر إلى الذهب تقليدياً على أنه أداة تحوط فعالة ضد الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية، وهو ما يفسر هذا الإقبال الكبير في ظل الظروف الراهنة.
يعلق جيوفاني ستونوفو، المحلل لدى بنك يو بي إس، على هذا المشهد قائلاً: “المخاوف المتواصلة بشأن وضع الدولار كعملة احتياط عالمية رئيسية تدعم الذهب، ومن المرجح أن تظل الأسعار مدعومة”. وأضاف أن “معنويات تجنب المخاطرة، الواضحة في تراجع أسواق الأسهم، تصب في صالح المعدن الأصفر”، متوقعاً استمرار الصعود وصولاً إلى مستوى 3500 دولار خلال الأشهر القادمة.
من جهته، يرى ييب جون رونغ، خبير استراتيجيات السوق في آي جي، أن “مستوى 3500 دولار قد يكون الهدف التالي المحتمل للذهب”، لكنه يحذر في الوقت ذاته من أن “مراكز التداول قد تبدو مكتظة على المدى القريب، والمؤشرات الفنية تشير إلى ظروف تشبع شرائي على المدى القريب”، مما قد يمهد لتصحيح سعري مؤقت.
هذا الصعود اللافت ليس جديداً بالكامل؛ فالذهب حطم مستويات قياسية عدة مؤخراً، مضيفاً أكثر من 700 دولار إلى قيمته منذ مطلع عام 2025. والجدير بالذكر أن رحلة المعدن الأصفر من مستوى 1000 دولار للأونصة الذي سجله عام 2008 إلى مستوى 2000 دولار استغرقت 12 عاماً (حتى 2020)، مما يبرز التسارع الكبير في وتيرة الارتفاع خلال السنوات الأخيرة.
لم يقتصر التألق على الذهب، حيث شهدت المعادن النفيسة الأخرى تحركات إيجابية أيضاً؛ فقد ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 1.2% لتصل إلى 32.98 دولاراً للأوقية، وزاد البلاتين بنسبة 1.1% ليبلغ 977.25 دولاراً. في المقابل، سجل البلاديوم انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.2% ليستقر عند 960.70 دولاراً.
تداعيات أوسع على الثقة والملاذات الآمنة
تُعدّ هذه المستويات القياسية للذهب مؤشراً قوياً على حالة القلق التي تسود أوساط المستثمرين العالميين بشأن مستقبل النمو الاقتصادي واستقرار النظام المالي. فاللجوء المكثف إلى الذهب لا يعكس فقط مخاوف من التباطؤ أو التضخم، بل قد يشير أيضاً إلى تآكل الثقة في العملات الرئيسية، وفي مقدمتها الدولار، وقدرة السياسات الحكومية والنقدية على احتواء الأزمات المحتملة.
إن استمرار هذا الاتجاه قد يدفع مزيداً من المستثمرين، بما في ذلك البنوك المركزية، إلى زيادة حيازاتهم من الذهب كجزء من استراتيجيات تنويع الأصول والتحوط من المخاطر المتزايدة في بيئة عالمية غير مستقرة.