لحماية اقتصاداتها من السلاح الأمريكي.. دول جنوب شرق آسيا تحد من الدولرة

تشهد دول جنوب شرق آسيا ما يشبه الثورة غير المعلنة ضد الدولار الأمريكي، مع السعي الحثيث نحو عملة موحدة بديلة تحمي هذه الاقتصادات من “السلاح الأمريكي” الذي تلوّح به إدارة ترامب لاستخدامه ضد دول العالم التي ترفض النزول عند شروط وسياسات الإدارة.
وعلى سبيل المثال، يدفع السائح الماليزي في تايلاند ثمن الطعام في الشارع من خلال مسح رمز الاستجابة السريعة، ويُخصم المبلغ على الفور من حسابه بعملة “الرينجيت الماليزي” ثم يُضاف إلى حساب البائع بـ”البات التايلاندي” وفق متابعات بقش لأحدث التقارير.
هذه التسهيلات التي تجريها دول جنوب شرق آسيا اعتُبرت جزءاً من خطة واسعة النطاق للتحول بعيداً عن الدولار إلى التعامل بالعملات المحلية، وذلك بالتنسيق بين الحكومات نفسها، لتقليل اعتمادها على الدولار في التجارة والتمويل، والحد من آثار أية إجراءات مستقبلية ضدها من قِبل الإدارة الأمريكية، خصوصاً بعد أن فُرضت سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية على هذه الدول بنسب مرتفعة.
الوضع يحفّز على التغيير
تورد مجلة ذا دبلومات الآسيوية أن الدولار لا يزال المهيمن على المنطقة تجارياً، إذ يتم إصدار فواتير 80 إلى 90% تقريباً من صادرات جنوب شرق آسيا بالدولار، كما لا تزال العملات الإقليمية مرتبطة بحركة الدولار وتُخزن البنوك المركزية الدولار كاحتياطات للاستقرار، إلا أنه -ورغم كل ذلك- تسببت أزمة الرسوم الأخيرة في تحفيز التغيير بعد أن تكشَّفت سلبيات ظاهرة الدولرة بشكل أكبر من أي وقت مضى.
ويرى التقرير الآسيوي أن السياسة النقدية لواشنطن قد تؤدي إلى صدمة في اقتصادات رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والتي تشمل ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا والفلبين وسنغافورة ولاوس وكمبوديا وبروناي وفيتنام وميانمار.
وقد تسببت زيادات أسعار الفائدة من قِبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” خلال عامي 2022 و2023 في تقوية الدولار الأمريكي وإضعاف عملات جنوب شرق آسيا، وهو ما أجّج التضخم وزاد من تكاليف الديون المقومة بالدولار.
يُضاف ذلك إلى أن العقوبات المالية الأمريكية، بما فيها تجميد عضوية روسيا في شبكة الدفع الدولي “سويفت” عام 2022 دقَّت ناقوس الخطر في جميع أنحاء آسيا.
فعلى سبيل المثال، كان رئيس إندونيسيا السابق “جوكو ويدودو” يحذّر من خطورة الدولار الأمريكي، ويستشهد بالعقوبات الروسية، ويقول إن شركات الدفع العالمية العملاقة مثل “فيزا” و”ماستركارد” قد تُشكّل أزمة، وطالب الإندونيسيين باستخدام الشبكات المحلية بدلاً من هذه الشبكات.
كما أكد صانعو السياسات في ماليزيا وتايلاند وسنغافورة على مخاوف مماثلة بخصوص الركون المفرط إلى الدولار، وهو ما يجعل هذه الدول، في الوقت الحالي، تعمل بشكل متسارع على حماية اقتصاداتها عبر فرض المزيد من الاستقلالية في آلياتها ومعاملاتها التجارية.
ويتم التحول إلى العملات المحلية في التجارة عبر الحدود، ويُشار إلى أنه في شهر مايو من العام 2023 وافقت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) على زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية وفق متابعات بقش، وطرحت فكرة إطار عمل موحد لعملة رابطة دول جنوب شرق آسيا في المستقبل لتسهيل هذا التحول.
وقد أبرمت الحكومة الماليزية اتفاقيات مع حكومات إندونيسيا وتايلاند وكذلك الصين، وذلك لتسوية المزيد من المعاملات التجارية بالرنجيت الماليزي أو غيره من العملات المحلية.
ورغم أن مثل هذه التحركات الآسيوية لن تدفع إلى التخلص من الدولار تماماً بين ليلة وضحاها، إلا أنها بهذا الإجماع المشترك تُمثل خطوة استراتيجية نوعية كما يرى الآسيويون، حيث يُراد الحد من الاعتماد من الدولار الأمريكي أكثر من فكرة محوه، بالصورة التي تجعله موجوداً وغير موجود بنفس الوقت حسب رؤية هذه الدول.