الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

كيف يتم تسعير الذهب في اليمن ولماذا ارتفعت قيمته مؤخراً بشكل غير مسبوق؟

قفزات سعرية باغتت أسواق الذهب اليمنية خلال الأيام القليلة الماضية، مدفوعةً بمزيج من الاضطرابات الاقتصادية العالمية والانهيار المتسارع للعملة المحلية في مناطق سيطرة حكومة عدن، مما عزز دور الذهب كملاذ آمن رئيسي للمدخرات والاستثمار في بلد يعاني من الحرب وتدهور الأوضاع المعيشية.

وفي صنعاء ارتفع سعر الجرام الواحد من الذهب عيار 21 –وهو الأكثر شيوعاً وتداولاً في البلاد– بشكل كبير، ليصل إلى نحو 54 ألف ريال خلال أبريل الجاري، مقارنة بـ 34 ألف ريال في أغسطس 2024، ما يعني أن سعر الجرام يعادل تقريباً 100 دولار بسعر الصرف السائد في صنعاء.

أما عدن، فأسواق الذهب فيها سجلت ارتفاعاً أكثر دراماتيكية، نتيجة للانهيار المتسارع في العملة المحلية. إذ ارتفع سعر جرام الذهب عيار 21 فوق حاجز 250 ألف ريال، ارتفاعاً من نحو 130 ألف ريال في أغسطس 2024 حسب مراجعات بقش، ويعادل سعر الجرام أيضاً قرابة 100 دولار بسعر الصرف المنهار في مناطق حكومة عدن، والذي تجاوز مؤخراً 2540 ريال للدولار الواحد.

كيف يتم التسعير؟

يستند السوق اليمني غالباً على الذهب عيار 21، الذي يتم استيراد جزء كبير منه من الخارج، ما يجعله مرتبطاً مباشرة بالأسعار العالمية، في حين يجري إنتاج وإعادة صياغة جزء كبير من الذهب عيار 18 محلياً، خاصة في صنعاء التي كانت تضم عدداً كبيراً من معامل صياغة المشغولات الذهبية، وإن تراجعت أعدادها في السنوات الماضية.

وتلعب “جمعية الصاغة وتجار الذهب في اليمن” دوراً محورياً في تنظيم السوق وتحديد الأسعار بشكل يومي، ووفق تصريحات تابعها بقش لأعضاء في هذه الجمعية، فإنها تشترك في منصة خاصة مرتبطة بوكالة “رويترز”، تتيح لها رصد التغيرات السعرية اللحظية في أسعار أونصة الذهب في البورصات الدولية.

ويجري عكس أي ارتفاع أو انخفاض في السعر العالمي مباشرة على السعر المحلي، مع الأخذ في الاعتبار سعر صرف الدولار مقابل الريال في السوق المحلية، على اختلافها ما بين صنعاء وعدن.

يُضاف إلى ذلك فارق سعري محدود يُعرف بـ”المصنعية”، يغطي تكاليف الخدمة والصياغة والتداول. وهذه الآلية تنتج عنها أسعار مختلفة لعمليات البيع والشراء، إذ يكون سعر بيع الذهب الجديد للمستهلك أعلى من سعر شراء الذهب القديم أو “الكسر” من المواطنين.

محلياً وعالمياً: أسباب الفورة السعرية

ثمة مجموعة عوامل متشابكة، محلية ودولية، تقف وراء الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب، وحول ذلك يرى المحلل الاقتصادي “أحمد الحمادي” في حديث لـ”بقش” أن ما يحدث في سوق الذهب المحلية أمر متوقع وطبيعي بالنظر إلى الارتفاع المتصاعد وغير المسبوق الذي تشهده أسعار الذهب في الأسواق الدولية منذ أسابيع.

وأرجع “الحمادي” الارتفاع الدولي بشكل أساسي إلى “تصاعد التوترات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، خاصة بعد تهديد إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية ضخمة على الواردات الصينية، إضافة إلى اضطراب سعر الدولار وتراجع ثقة المستثمرين فيه عالمياً، مما دفعهم للإقبال الكبير على الذهب باعتباره الملاذ الأكثر أماناً في الظرف الدولي الحالي”.

ومحلياً، وبسبب تدهور صرف الريال اليمني خاصة في عدن، والاضطرابات الاقتصادية المتواصلة، بات الذهب أحد أهم الملاذات الاستثمارية الآمنة للمواطنين والتجار للحفاظ على قيمة مدخراتهم، وفقاً للحمادي، مشيراً إلى أن الذهب من الأصول التي تزداد قيمتها تاريخياً في فترات التضخم الجامح أو انخفاض قيمة العملة، مما يجعل الطلب عليه يتزايد كأداة للحفاظ على القيمة في مواجهة الانخفاض الحاد للعملة المحلية.

تأثيرات اجتماعية واقتصادية عميقة

تداعيات ارتفاع الذهب تطاول المستثمرين والتجار وتمتد لضرب النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. حيث شكلت الأسعار الجديدة صدمة عنيفة للمقبلين على الزواج، خاصة مع اقتراب موسم الأعراس الصيفي، إذ يمثل الذهب نسبة كبيرة من تكاليف الزواج الباهظة في البلاد، ويُتوقع أن يؤدي الارتفاع إلى مضاعفة تكاليف الزواج بنسبة قد تصل إلى 40% في أحسن الأحوال.

من جهة أخرى، ينتهز مواطنون كثر هذا الارتفاع للتصرف بما يحتفظون به من مدخرات من الذهب، خاصة ممن فقدوا وظائفهم ورواتبهم خلال الحرب، لبيع جزء من مدخراتهم لتغطية نفقاتهم المتزايدة، رغم أن الأزمة المعيشية الطاحنة كانت قد أجبرت الكثيرين على بيع مدخراتهم الذهبية خلال السنوات الماضية.

وبالفعل لوحظت حركة بيع وشراء نشطة نسبياً في الأسواق المحلية خلال الأسبوع الماضي وفق متابعات بقش، وإن مالت كفة البيع (من قِبل المواطنين) بشكل أكبر مما كانت عليه قبل القفزة السعرية الأخيرة.

مستقبل السوق والمخاطر الكامنة

متعاملون بسوق الذهب في صنعاء يرجحون استمرار الارتفاع ليتخطى سعر الجرام حاجز 60 ألف ريال، في حين يرى آخرون، في عدن، أن يكسر حاجز 300 ألف ريال نتيجة لاستمرار انهيار العملة.

وحول مستقبل السوق، أشار الاقتصادي الحمادي في حديثه لـ”بقش” إلى أن “الاضطرابات الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستستمر في التأثير على أسواق الذهب في اليمن بشكل غير مباشر، حيث إن أي تقلبات في السوق الدولية ستدفع أسعار الذهب للصعود عالمياً، مما سينعكس حتماً على الأسعار المحلية”.

وعلى الرغم من أهمية الذهب كملاذ آمن، إلا أن السوق اليمني لا يخلو من التحديات والمخاطر، فقد حذر الخبراء من أن سوق الذهب محلياً تعاني من إشكاليات مرتبطة بعمليات الغش في الأوزان والعيارات أحياناً، إضافة إلى الفوارق الكبيرة وغير المبررة أحياناً في الأسعار بين عمليتي البيع والشراء، ما قد يضر بالمستهلكين والبائعين الأصغر.

ويظل سوق الذهب المحلية مرآة للاقتصاد المأزوم والوضع السياسي غير المستقر، حيث يتأرجح بين كونه الملاذ الأخير للمدخرات في مواجهة انهيار العملة، وعبئاً ثقيلاً على كاهل المقبلين على الزواج، ومجالاً للمضاربة والاستثمار المحفوف بالمخاطر، مرتبطاً بتقلبات الأسواق العالمية ومحكوماً بواقع محلي شديد التعقيد.

ضعف البدائل والتأثيرات على السيولة والتحويلات

تعكس حالة “الهوس بالذهب” في اليمن حالة أعمق من انعدام الثقة في النظام المصرفي الرسمي والعملة المحلية، وغياباً شبه تام لقنوات استثمارية أخرى آمنة ومجدية. فمع تجميد ودائع، وتذبذب أسعار الصرف، وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، يصبح المعدن الأصفر الخيار الأكثر واقعية و”أماناً” للكثيرين للحفاظ على الثروة، حتى وإن لم يدر عائداً دورياً. وهذا التوجه نحو الأصول العينية بدلاً من الاستثمار الإنتاجي يعكس حالة الشلل التي يعاني منها الاقتصاد الكلي.

وقد يؤدي الإقبال الكبير على شراء الذهب، خاصة من قبل التجار وكبار المدخرين، إلى سحب سيولة كبيرة من الريال اليمني من السوق، مما قد يزيد الضغط على سعر الصرف بشكل غير مباشر. كما قد يؤثر على طبيعة التحويلات المالية من المغتربين، حيث يفضل البعض إرسال أموال بغرض شراء ذهب وتخزينه بدلاً من استخدامها في الاستهلاك المباشر أو استثمارات أخرى، مما يغير أنماط التدفقات المالية التي يعتمد عليها الاقتصاد بشكل كبير.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش