
الاقتصاد العربي | بقش
أعلنت تقارير مالية أن شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، تعتزم جمع تمويل جديد عبر إصدار سندات دولارية من ثلاث شرائح زمنية، في خطوة تشير إلى تحوّل استراتيجي في إدارة التمويل وسط انخفاض في الأرباح وارتفاع في التكاليف التشغيلية.
تأتي هذه الخطوة وسط ضبابية وعدم يقين السوق النفطي العالمي، ما دفع الشركة إلى تفعيل أدوات الدين كوسيلة للحفاظ على سيولتها النقدية وتمويل توسعها في قطاعات استراتيجية متعددة. ووفقاً لاطلاع بقش على وكالة “رويترز”، فإن عملية إصدار السندات ستشمل آجالاً تمتد إلى خمسة أعوام وعشرة أعوام وثلاثين عاماً، حيث حددت أرامكو العائد الإرشادي للسندات قصيرة الأجل بفارق 115 نقطة أساس فوق عائدات سندات الخزانة الأمريكية، فيما بلغ العائد على السندات لأجل 10 سنوات نحو 130 نقطة أساس، و185 نقطة أساس على السندات لأجل 30 عاماً.
ورغم أن الحد الأدنى المعلن لحجم الإصدار لا يقل عن 500 مليون دولار، فإن مصادر السوق ترجح أن يتجاوز الطرح هذا الرقم ليصل إلى مستوى قياسي، اعتماداً على إقبال المستثمرين الدوليين. ويمثل هذا الإصدار عودة لأرامكو إلى أسواق الدين العالمية بعد أقل من عام من إصدارها السابق في يوليو الماضي، الذي جمعت فيه ستة مليارات دولار من بيع سندات مشابهة.
ويأتي قرار أرامكو بالإصدار الجديد بعد إعلانها عن انخفاض بنسبة 4.6% في أرباحها للربع الأول من عام 2025، مدفوعة بانخفاض مبيعات النفط الخام وارتفاع المصاريف التشغيلية، في وقت يشهد فيه السوق العالمي تقلبات كبيرة في الطلب والأسعار.
وتشير تقارير أخرى إلى أن أرامكو تدرس حالياً بيع بعض أصولها غير الأساسية، في إطار سعيها لتحرير السيولة والاستعداد لتوسعات دولية في قطاعات غير نفطية مثل الطاقة النظيفة والبتروكيماويات.
وتؤكد هذه الخطوة أيضاً على دور أرامكو الحيوي في تمويل مشاريع “رؤية السعودية 2030″، إذ باتت الشركة تمثل العمود المالي الذي تعتمد عليه الدولة في تغطية جزء كبير من التكاليف الاستثمارية الهائلة لمشاريع التحول الوطني.
وتعمل الرياض، من خلال هذه الرؤية، على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وأصبح من المعتاد أن تلجأ الحكومة إلى أرامكو كأداة لتمويل خططها الاقتصادية المستقبلية، سواء عبر الأرباح أو من خلال الاقتراض المؤسسي باسم الشركة.
على الرغم من ضخامة السيولة التي تمتلكها أرامكو، إلا أن قرارها باللجوء إلى الاقتراض الخارجي يحمل في طياته رسالة استراتيجية، مفادها أن الحفاظ على السيولة الداخلية لاستخدامها في التوسعات هو خيار أفضل من السحب منها في ظل أسعار فائدة دولية لا تزال ضمن مستويات معقولة، كما أن الاعتماد على الدين الخارجي يمنح الشركة مرونة في إدارة هيكل رأس المال ويتيح لها الاستفادة من الفوائد الضريبية المصاحبة للاقتراض في بعض الأسواق.
سباق خليجي لأسواق الدين
اللافت أن إصدار أرامكو الجديد يأتي في سياق إقليمي تتسابق فيه عدة جهات خليجية نحو أسواق الدين الدولية، وهو ما يعكس تغيراً هيكلياً في تمويل الاستراتيجيات الاقتصادية لدول الخليج، فقد سبق أن أصدر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يدير أصولاً تقارب 925 مليار دولار، سندات مماثلة، وفق متابعات بقش، فيما أقدمت شركة “مصدر” الإماراتية للطاقة المتجددة الأسبوع الماضي على جمع مليار دولار من خلال طرح سندات خضراء، رغم الأوضاع المضطربة في الأسواق نتيجة السياسات التجارية الأمريكية.
وعلى الرغم من تصنيف أرامكو الائتماني المرتفع وثقة الأسواق العالمية بها، إلا أن الفوارق العالية في العائد على السندات طويلة الأجل تعكس قدراً من التحفظ في تقييم المستثمرين للمخاطر المستقبلية المرتبطة بالقطاع النفطي العالمي، وكذلك بالتحولات البيئية والتشريعية التي تواجه صناعة الطاقة التقليدية.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن إصدار أرامكو الحالي لا يعبر فقط عن خطوة مالية لتوفير التمويل، بل يكشف عن تحول استراتيجي في طريقة عمل الشركة، التي أصبحت ليست فقط شركة نفط، بل أيضاً لاعباً مالياً ضخماً في الأسواق العالمية، يتقن استخدام أدوات الدين بفعالية لتمويل مشاريعه التوسعية ودعم مكانة المملكة على خريطة الاقتصاد العالمي الجديد.