واشنطن وبكين في هدنة تجارية هشة: المعادن النادرة ورقائق الذكاء الاصطناعي تؤججان الصراع

الاقتصاد العالمي | بقش
على الرغم من أجواء التفاؤل الحذر التي أحاطت بمحادثات لندن التجارية بين الولايات المتحدة والصين الأسبوع الماضي، والتي أفضت إلى تجديد الهدنة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، كشفت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” أن الاتفاق يغفل تسوية نزاع محوري يتعلق بالأمن القومي، مما يلقي بظلال من الشك حول مستقبل العلاقات التجارية بين البلدين ويبقي على جذوة الحرب التجارية متقدة.
ففي قلب الخلاف، تقف المعادن الأرضية النادرة، التي تهيمن الصين على إنتاجها العالمي بنحو 70%، والتي تعتبر مكوناً حيوياً للصناعات العسكرية الأمريكية المتقدمة، من صناعة الطائرات المقاتلة إلى أنظمة الصواريخ الدقيقة.
ووفقاً للمصادر، رفضت بكين الالتزام برفع قيود التصدير التي فرضتها على سبعة من هذه المعادن الحيوية، مشترطة في المقابل قيام واشنطن بإلغاء الحظر المفروض على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين، والتي تخشى الإدارة الأمريكية من إمكانية استخدامها في تطبيقات عسكرية.
هذا التعثر في تسوية النقاط الخلافية الجوهرية، رغم التوصل إلى اتفاق مبدئي لإعادة تدفق بعض السلع الحساسة، يكشف عن عمق انعدام الثقة بين الجانبين، ويحول دون التوصل إلى اتفاق تجاري شامل ودائم، وهو ما دفع مسؤولين أمريكيين، حسب اطلاع بقش على المصادر، إلى التلويح بإمكانية تمديد الرسوم الجمركية الحالية على السلع الصينية لمدة 90 يوماً إضافية بعد انتهاء المهلة الحالية في العاشر من أغسطس المقبل.
حرب تجارية مستعرة في ولاية ترامب الثانية
تأتي هذه التطورات في سياق حرب تجارية ضروس اندلعت مع بداية ولاية الرئيس “دونالد ترامب” الثانية، والتي اتسمت بسياسة حمائية متشددة تحت شعار “أمريكا أولاً”، فمنذ مطلع العام الماضي، فرضت إدارة ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية العقابية على واردات صينية بمليارات الدولارات، متهمة بكين بممارسات تجارية غير عادلة وسرقة للملكية الفكرية، وهو ما ردت عليه الصين بإجراءات مماثلة، ليدخل الاقتصاد العالمي في دوامة من الاضطراب.
لم تقتصر آثار هذه الحرب على تباطؤ النمو في البلدين، بل امتدت لتلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمي بأسره، فقد تسببت حالة عدم اليقين في تراجع الاستثمارات العالمية، واضطراب سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الإنتاج على الشركات والمستهلكين حول العالم، ووفق تتبع بقش لهذا الملف حذرت مؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين مراراً من أن هذا الصراع التجاري يشكل الخطر الأكبر على استقرار الاقتصاد العالمي.
ومن أبرز محطات هذه الحرب حتى الآن، فرض واشنطن رسوماً عقابية واسعة النطاق في أبريل الماضي، لترد بكين بإضافة سبعة معادن نادرة إلى قائمة قيود التصدير التي تضم 17 عنصراً، مستغلة بذلك نقطة ضعف استراتيجية لدى الولايات المتحدة التي تفتقر بشكل شبه كامل إلى القدرة على معالجة هذه المواد الحيوية، وفقاً لبيانات شركة “بروجكت بلو” الاستشارية.
ورقة ضغط استراتيجية
تدرك بكين جيداً الأهمية الاستراتيجية للمعادن النادرة، وتستخدم سيطرتها على هذا القطاع كورقة ضغط فعالة في مفاوضاتها مع واشنطن، فمن خلال ربط رفع القيود عن هذه المعادن بإلغاء الحظر على رقائق الذكاء الاصطناعي، تسعى الصين إلى تحقيق هدفين: تأمين احتياجاتها من التكنولوجيا المتقدمة، وفي الوقت نفسه، إظهار قدرتها على التأثير بشكل مباشر على الصناعات العسكرية الأمريكية.
في المقابل، تجد واشنطن نفسها في موقف حرج، فبينما تسعى لحماية أمنها القومي ومنع وصول الصين إلى تكنولوجيا قد تعزز من قدراتها العسكرية، تواجه ضغوطاً من قطاع الصناعات الدفاعية الذي يعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية من المعادن النادرة.
وهكذا، تبقى الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين هشة وقابلة للانهيار في أية لحظة، ففي ظل تمسك كل طرف بمطالبه الجوهرية، وتحول المفاوضات من القضايا التجارية التقليدية كالرسوم الجمركية والفائض التجاري إلى مسائل شائكة تتعلق بالأمن القومي والتفوق التكنولوجي، يبدو أن الطريق نحو اتفاق دائم لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات، مما يبقي الاقتصاد العالمي رهينة لهذا الصراع المحتدم بين القوتين العظيمتين.