إغلاق +42 ألف شركة.. إسرائيل على حافة الانهيار الاقتصادي وسط تصاعد الحرب وتدهور الثقة

تقارير | بقش
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتوسّع رقعة الحرب بمواجهة مباشرة مع إيران، أطلقت وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد آند بورز” تحذيراً شديد اللهجة من انزلاق الاقتصاد الإسرائيلي إلى مرحلة حرجة، بعد أن أبقت على التوقعات الائتمانية لإسرائيل عند مستوى “سلبي”، مشيرة إلى تصاعد المخاطر على عدة أصعدة مالية واقتصادية.
تؤكد الوكالة في تقريرها الأخير الذي اطلع عليه بقش أن تفاقم الصراع يهدد بتقويض أساسات الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل تزايد الإنفاق العسكري وهروب الاستثمارات وارتفاع حالة عدم اليقين، وشددت “ستاندرد آند بورز” على أن استمرار التوترات الأمنية يمكن أن يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني إلى درجة “آي سلبي” (A-)، وهو مستوى يعكس ارتفاع المخاطر على استدامة الدين السيادي، بعد تخفيضين سابقين في أبريل وأكتوبر 2024.
ووفق الوكالة، تشمل الآثار المحتملة للحرب المستمرة: “صدمات قوية لثقة المستثمرين الأجانب والمحليين، هروب رؤوس الأموال، تقلبات في الأسواق المالية وسعر صرف الشيكل، إضافة إلى أضرار مادية مباشرة للبنية التحتية يمكن أن تضعف النمو وتعصف بالتوازنات المالية”.
وتُشير البيانات إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي فقد خلال الأشهر الماضية ما لا يقل عن 7.5 مليارات دولار نتيجة هروب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بينما سجل الشيكل انخفاضاً حاداً بنسبة 13.8% مقابل الدولار منذ أكتوبر 2024 حتى يونيو الجاري.
بنية اقتصادية متوترة
رغم أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على قطاع التكنولوجيا والخدمات عالية التقنية، وهو ما قدّم له نوعاً من الحصانة خلال جولات التصعيد السابقة، إلا أن الحرب الحالية – التي تترافق مع تهديدات من جبهات متعددة (جنوباً في غزة، وشمالاً مع حزب الله، وشرقاً مع إيران) – تمثل حالة غير مسبوقة.
ووفقاً لتحليل اقتصادي نُشر على موقع شبكة “بلومبيرغ” اطلع عليه بقش في مايو الماضي، فإن قطاع التكنولوجيا بدأ يشهد “تباطؤاً غير معتاد” في وتيرة استثمارات رأس المال المغامر، حيث تراجعت بنسبة 39% في الربع الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
هذا التراجع، كما يرى خبراء، مرتبط بشكل مباشر بتزايد حالة الغموض السياسي والأمني، فقد باتت الشركات الدولية أكثر تحفظاً في ضخ الأموال داخل إسرائيل، في ظل تحذيرات متكررة من مؤسسات مالية عالمية من احتمال “شلل مالي” في حال تدهور الوضع العسكري إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.
إغلاق +42 ألف شركة إسرائيلية | القطاع الخاص يلفظ أنفاسه الأخيرة
في هذا السياق، وجّه “ياكير ليسيتسكي”، رئيس اتحاد المطاعم والحانات في إسرائيل، انتقاداً لاذعاً للحكومة الإسرائيلية، متهماً إياها بـ”التخلي التام عن مسؤولياتها تجاه القطاع الخاص”، وأشار في رسالة مفتوحة إلى وزير المالية “بتسلئيل سموتريتش” إلى أن “مئات آلاف أصحاب الشركات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص أصبحوا بلا دخل، بينما الدولة تفرض إغلاقاً كاملاً دون توفير أي آليات دعم أو تعويض”.
ووفقاً لقراءة بقش في موقع “كالكاليست” الاقتصادي العبري، فإن أكثر من 42 ألف منشأة تجارية في قطاعات الضيافة والخدمات والترفيه أُجبرت على الإغلاق الكامل منذ تمديد حالة الطوارئ في الجبهة الداخلية في 15 يونيو وحتى نهاية الشهر، ورغم هذا القرار الإجباري، لم يتم الإعلان عن أي خطة حكومية لتعويض هذه المنشآت، ما دفع بعضها إلى إعلان الإفلاس بالفعل.
ليستيتسكي شدد على أن “الدولة تفرض أوامر بالإغلاق وتطالب المواطنين بالامتثال، لكنها تتهرب من المسؤولية المالية، وإذا كانت الدولة من تفرض الإغلاق، فهي مُلزَمة قانوناً بالتعويض”، مشيراً إلى وجود “قانون مُعتمد وصندوق جاهز ومصلحة ضرائب مستعدة”، إلا أن الحكومة تتذرع بخشية من “تشجيع الإغلاق المصطنع”.
الجيش يأكل الفوائض المالية
منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، ارتفعت ميزانية الأمن في إسرائيل بنحو 27%، لتصل إلى أكثر من 34 مليار دولار في 2025، وفق أرقام وزارة المالية الإسرائيلية، وتشير التقديرات إلى أن الحرب الجارية كلفت خزينة الدولة حتى الآن ما يزيد عن 11.2 مليار دولار في الإنفاق العسكري المباشر، من ضمنها التجهيزات اللوجستية والتعويضات المخصصة للجيش الاحتياطي.
لكن هذه التعويضات لا تشمل القطاع الخاص ولا المؤسسات المتضررة من الإغلاقات التي تفرضها قيادة الجبهة الداخلية، ما يعمّق الشعور بالخذلان لدى أوساط رجال الأعمال، الذين أصبحوا بين فكي الإغلاق القانوني والانهيار المالي.
وفي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى مواجهة محتملة مع إيران، فإن التكلفة الاقتصادية لذلك ستكون كارثية، وفقاً لخبير الاقتصاد السياسي في جامعة تل أبيب، “شاؤول كاتز”، الذي قال في تصريح لصحيفة “هآرتس”: “أي تصعيد مع إيران سيؤدي إلى انهيار النمو، وقد يُدخل إسرائيل في ركود مزدوج خلال العام الجاري”.
أزمة ثقة داخلية وخارجية
من جانبه، حذّر تقرير صادر عن بنك إسرائيل في يونيو الجاري، من أن استمرار الحرب سيُضعف الحساب الجاري وقد يدفع الدولة إلى الاستدانة بشكل غير مستدام، وتوقّع التقرير حسب مراجعة بقش أن يصل عجز الميزانية إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو ما يُعدّ الأعلى منذ أزمة كورونا، ويهدد بخفض التصنيف الائتماني مجدداً.
وفي مؤشرات الثقة، أظهر استطلاع نشره “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أن 68% من أصحاب الأعمال الصغيرة يشعرون أن الدولة “تخلت عنهم بالكامل”، في حين أبلغ 54% من المواطنين عن “تأثر دخلهم الشهري بشكل كبير” منذ بداية الحرب.
المشهد العام في إسرائيل لم يعد مجرد “تحديات مؤقتة”، بل أزمة اقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم، وسط قصف في غزة، وتصاعد الاشتباك مع إيران، وصمت حكومي داخلي عن دعم القطاعات المتضررة، يبدو أن إسرائيل على حافة انهيار اقتصادي يهدد استقرارها الداخلي وقدرتها على الصمود في أي مواجهة طويلة الأمد.