الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

بعد موافقة برلمان إيران على إغلاق مضيق هرمز.. أي عاصفة تنتظر الملاحة والاقتصاد العالمي؟

الاقتصاد العالمي | بقش

مع تصاعد التوتر الإقليمي وشن الولايات المتحدة هجوماً على المنشآت النووية في إيران، لوحت إيران بشكل رسمي هذه المرة بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، وهو ما يوسع رقعة التوترات على المستوى الاقتصادي العربي والدولي ويصل بالموقف إلى مرحلة أكثر تأزماً.

فقد أعلن البرلمان الإيراني موافقته، رسمياً، على إغلاق مضيق هرمز، في إطار الرد الإيراني على الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، وما وصفته طهران بـ”الانتهاكات المتواصلة لسيادتها المتواصلة”. وقد أُعلن عن القرار خلال جلسة استثنائية لمجلس الشورى الإسلامي بإيران، ويمنح المشروع غطاءً قانونياً لإغلاق المضيق، لكن تنفيذه ما يزال بانتظار موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يُعد أعلى سلطة أمنية في البلاد.

وكان المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، قد توعَّد الولايات المتحدة بـ”أضرار لا يمكن إصلاحها” إذا تدخلت واشنطن في النزاع دعماً لحليفتها إسرائيل التي تتكبد خسائر اقتصادية ومالية فادحة، ووُصف تصريح خامنئي بأنه أكد التوقعات بأن القيادة الإيرانية قد تلجأ إلى وسيلة كبح جماح الخصوم، وهي إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة.

ووفقاً لنواب إيرانيين في البرلمان، فإن قرار إغلاق مضيق هرمز يُعتبر ضرورياً لحماية الأمن القومي الإيراني والتأكيد على السيادة الكاملة لطهران على مياهها الإقليمية، واعتبروا أن إغلاقه يعبّر عن رفض تام لتهديد وجود إيران من قِبل الدول المعادية نفسها التي تستفيد من الممرات البحرية الإيرانية.

وبحسب مراجعات مرصد “بقش”، فإن مضيق هرمز الاستراتيجي يمرر نحو 20% من إنتاج النفطي العالمي يومياً، وتصفه إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بأنه “أهم ممر لنقل النفط في العالم”، وفي حال موافقة مجلس الأمن القومي الإيراني على إغلاق المضيق فإن ذلك من شأنه أن يسبب أزمة دولية في سلاسل الإمداد العالمية.

لكن الأزمة لا تقتصر على الطاقة فقط، بل ستتأثر سلاسل التجارة العالمية بشكل مباشر، خصوصاً للدول الآسيوية كالصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وهي أربعة اقتصادات عملاقة تستقبل بشكل كبير تدفقات قادمة من مضيق هرمز، وتشمل بشكل أساسي تدفقات النفط والغاز الطبيعي المسال.

وسبق ولوّحت إيران بإغلاق المضيق خلال فترات التوتر، لكن وفقاً لمحللين، يبدو أن هذه المرة مختلفة عن كل وقت مضى، إذ يأتي هذا القرار عقب ضربات أمريكية مباشرة للبنية التحتية الإيرانية، بمبرر الدفاع عن النفس وحماية السيادة الإيرانية، وإيصال رسالة مفادها أن الاعتداءات على الأراضي الإيرانية ستكون لها تبعات، رغم المعرفة التامة بأن عواقب هذا التحرك قد تكون كبيرة، سواء من حيث التدخل العسكري أو العزلة الاقتصادية.

شركات الملاحة تتابع بقلق

تتابع شركات الشحن العالمية الكبرى الموقف على مستوى عالٍ من الترقب والقلق، وحول ذلك تقول شركة شحن الحاويات الدنماركية العملاقة “ميرسك” إن السفن تواصل الإبحار عبر مضيق هرمز لكن الشركة مستعدة لإعادة التقييم واتخاذ إجراءات تشغيلية بناءً على المعلومات المتاحة.

ومن جانبها قالت شركة الشحن الألمانية “هاباغ لويد” إن سفنها لا تزال تبحر عبر مضيق هرمز في أعقاب القصف الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية “لكن الوضع يمكن أن يتغير بالطبع خلال فترة زمنية قصيرة للغاية”.

وتعبّر مخاوف شركات الكبرى عن “صدمة اقتصادية عالمية”، تُضاف إلى الصدمة التي خلفتها أزمة “البحر الأحمر” بعد أن أغلقت قوات صنعاء هذا الممر الاستراتيجي من مضيق “باب المندب” الاستراتيجي أمام السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل، منذ العام 2023، بسبب استمرار حرب الإبادة على غزة.

الأضرار والمتضررون.. ماذا يعني إغلاق هرمز؟

تسود المخاوف الدولية من إغلاق مضيق هرمز المحتمل نظراً لمرور ربع تجارة النفط العالمية تقريباً عبره عند مدخل الخليج، وفي حال منعت إيران وصول الناقلات العملاقة الناقلة للنفط والغاز إلى الصين وأوروبا وغيرها من المناطق الرئيسية المستهلِكة للطاقة، إلى مياه الخليج، فإن ذلك من شأنه أن يرفع أسعار النفط بشكل كبير وسريع وربما يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي.

ومما يعبر عن الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز، أنّ السفن العملاقة نقلت عبره في عام 2024 وحده قرابة 16.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات من السعودية والعراق والكويت والإمارات وإيران، وفق البيانات التي اطلع عليها بقش لدى وكالة بلومبيرغ، كما أن أكثر من خُمس الإمدادات العالمية من الغاز -ومعظمها من دولة قطر- عبرت عبر المضيق في الفترة نفسها.

وما يتم الإجماع عليه حالياً، هو أن أسعار النفط قد تشهد ارتفاعاً لا يقل مقداره عن 20 دولاراً إضافياً للبرميل الواحد، وقد يوضع البرميل على مسار 100 دولار، وهو ما يزيد من تقلبات السوق وقلق المستثمرين، ويؤثر بشكل محوري على طبيعة إمدادات الطاقة حول العالم. ومن واقع الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية في الأسبوع السابق، بدا أنَّ مجرد التلويح بورقة إغلاق مضيق هرمز وحده كفيل برفع أسعار الطاقة، فضلاً عن تأثير تطبيق هذا الإغلاق بشكل فعلي.

وعقب الضربة الأمريكية، ارتفع سعر أحد المنتجات المشتقة، الذي يُتيح للمستثمرين المضاربة على تقلبات النفط، بنسبة 8.8% في أسواق “آي جي ويك إند ماركتس” (وهي أداة تُستخدم في التداول بأيام إغلاقات الأسواق)، وفي حال استمرار هذا الارتفاع عند استئناف التداول، توقع خبراء استراتيجيون أن تُفتتح العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط يوم غد الإثنين عند نحو 80 دولاراً للبرميل.

ويُعد قربُ المضيق من اليابسة -وإيران على وجه الخصوص- مهدداً للسفن بالتعرض لصواريخ قد تنطلق من الشواطئ أو الاعتراض من قبل زوارق الدوريات والمروحيات.

وفي حال إغلاق إيران للمضيق بالفعل، فقد تواجه رداً من الأسطول الخامس الأمريكي وغيره من القوات البحرية الغربية التي تقوم بدوريات في المنطقة، وهو ما قد يجعل الملاحة فيه محفوفة بالمخاطر للسفن التجارية التي قد تغامر بالمرور فيه.

وبالتركيز على الدول الأكثر اعتماداً على مضيق هرمز، فإن السعودية والإمارات تتصدران القائمة. فالسعودية مثلاً تصدر عبر المضيق معظم النفط، رغم أن بإمكانها تحويل شحناتها إلى أوروبا باستخدام خط أنابيب (شرق – غرب) بطول 1200 كيلومتر تقريباً عبر المملكة إلى محطة على البحر الأحمر، إلا أن ذلك لا يغني الدولة الخليجية بشكل كامل عن المضيق.

ويعتمد العراق بشكل كبير على مضيق هرمز في تصدير شحناته النفطية، كما لا يوجد خيار آخر لدى الكويت وقطر والبحرين، في حين تعتمد إيران نفسها على هذا الممر كلياً.

وللمقارنة بشكل أوضح اعتماداً على تحليلات مرصد “بقش”، يمر عبر مضيق هرمز 20.5 مليون برميل من النفط الخام يومياً في المتوسط، اعتباراً من عام 2023، والبدائل للمضيق (المتمثلة في البنية التحتية التي طورتها السعودية والإمارات كخط أنابيب شرق-غرب، وخط أنابيب الإمارات الرابط بين حقولها البرية وميناء الفجيرة على خليج عمان) لا يمكنها -أي البدائل- تصدير أكثر من 2.6 مليون برميل يومياً، وهو ما يعبّر عن الفارق الكبير في معدل التصدير إذا ما تم اعتماد البدائل غير الكافية.

على ضفة مقابلة، يتوقع محللون أن تستقر أسعار النفط في غضون أيام قليلة لأن الهجمات الأمريكية قد تدفع إيران إلى إبرام اتفاق سلام، وهو ما يراه آخرون أمراً مستبعداً.

وسبق لطهران أن استخدمت مضيق هرمز كأداة ضغط، مما أثار مخاوف واسعة، فوفق متابعات بقش، احتجزت إيران في أبريل 2024، قبل تنفيذ هجوم بطائرات مسيرة على إسرائيل، سفينةَ شحن مرتبطة بإسرائيل قرب المضيق، وفي 2023 اعترضت إيران ناقلة نفط متجهة إلى الولايات المتحدة، رداً على مصادرة سفينة إيرانية قبالة سواحل ماليزيا، وفي 2022 احتجزت ناقلات يونانية عدة أشهر بسبب مصادرة نفط إيراني في حادثة منفصلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش