بسبب ما حصل في البحر الأحمر.. موازنة ترامب الدفاعية الجديدة: المزيد من “الدرونز” والقليل من الـF-35

تقارير | بقش
رغم أنه قد يبدو مجرد تعديل روتيني في الأرقام، تكشف بنود ميزانية الدفاع التي اقترحها الرئيس دونالد ترامب للعام 2026، والبالغة 892.6 مليار دولار، عن تحول استراتيجي عميق في العقيدة العسكرية الأمريكية، فالطلب الصريح بتقليص شراء مقاتلات “F-35” الباهظة، مقابل زيادة الإنفاق على الصواريخ والطائرات المسيرة منخفضة التكلفة، ليس مجرد قرار مالي، بل هو اعتراف صريح بالدروس القاسية التي تعلمها البنتاغون في أحدث ساحات المواجهة: مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
هذا التحول، الذي يبرره البيت الأبيض رسمياً بالحاجة لردع الصين وتنشيط القاعدة الصناعية، يحمل في طياته بصمات المواجهة المستمرة مع قوات صنعاء (الحوثيين).
فمنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أعادت هذه القوات تعريف قواعد الاشتباك البحري وفق تتبع بقش، وفرضت واقعاً جديداً اضطرت معه أقوى بحرية في العالم إلى إعادة حساباتها.
استنزاف في البحر الأحمر.. الأرقام تتحدث
لإدراك حجم التأثير الذي مارسته عمليات قوات صنعاء، لا بد من النظر إلى الأرقام، فمنذ نوفمبر 2023 وحتى منتصف عام 2025، شنت هذه القوات مئات الهجمات بالصواريخ الباليستية والجوالة والطائرات المسيرة ضد السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل والسفن الحربية الأمريكية والبريطانية، وقد أقرت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في تقارير متعددة اطلع عليها بقش بوقوع أكثر من 190 هجوماً، مما أجبر البحرية الأمريكية على خوض أطول وأعنف مواجهة بحرية لها منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن التكلفة الحقيقية لهذه المواجهة لم تكن في الخسائر المباشرة بقدر ما كانت في الاستنزاف الاقتصادي والعسكري، فقد كشفت هذه الهجمات عن خلل كارثي في التوازن بين تكلفة الهجوم وتكلفة الدفاع. فوفقاً لخبراء ومسؤولين في البنتاغون، تتراوح تكلفة الطائرة المسيرة التي تستخدمها قوات صنعاء بين 2000 و20,000 دولار وفق متابعات بقش بينما تضطر المدمرات الأمريكية لإسقاطها باستخدام صواريخ اعتراضية متطورة مثل “Standard Missile-2 (SM-2)” أو “Standard Missile-6 (SM-6)”، التي تتجاوز تكلفة الواحد منها 2-3 مليون دولار.
هذه الفجوة الهائلة في التكلفة أدت إلى نزيف مالي سريع، ففي الشهور الأولى من عملية “حارس الازدهار” وحدها، تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقارب 2 مليار دولار على الذخائر فقط.
هذا الاستنزاف لمخزونات الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن، دفع كبار القادة العسكريين، ومنهم قائد القيادة المركزية، إلى التحذير من أن هذا المعدل من الإنفاق غير مستدام على المدى الطويل.
ميزانية 2026: ترجمة مالية لواقع المعركة
هذا الواقع الجديد انعكس بوضوح في طلب ميزانية 2026، فبدلاً من طلب 68 طائرة شبحية من طراز “F-35” كما فعلت إدارة بايدن في ميزانية 2025، تسعى إدارة ترامب لشراء 47 طائرة فقط، وفي المقابل، تعزز الميزانية بشكل كبير الإنفاق على الطائرات الصغيرة بدون طيار، استخلاصاً للدروس من أوكرانيا والبحر الأحمر، حيث أثبتت هذه الأنظمة فعاليتها القتالية العالية بتكلفة منخفضة.
كما تواصل الميزانية الاستثمار في صواريخ المواجهة المشتركة جو-أرض (JASSM)، وهي صواريخ بعيدة المدى ومضادة للسفن، مما يشير إلى تركيز على القدرة على ضرب الأهداف من مسافات آمنة، وهو تكتيك ضروري في بيئات عملياتية محفوفة بالمخاطر كالبحر الأحمر والمحيط الهادئ.
وحتى على صعيد القوة البشرية، تعكس الخطة الجديدة ضغوطاً لخفض التكاليف، حيث تقترح تقليص القوة العاملة المدنية في البحرية بمقدار 7,286 شخصاً حسب قراءة بقش، وإيقاف تشغيل السفن والطائرات القديمة التي أصبحت تكلفة صيانتها وتشغيلها عبئاً كبيراً.
ورغم أن هذه الميزانية تواجه بالفعل معارضة في الكونغرس، الذي يسعى لزيادة عدد طائرات “F-35″، إلا أن التوجه العام الذي رسمه ترامب يبدو واضحاً: إن عصر الاعتماد الكلي على المنصات العملاقة باهظة الثمن قد بدأ بالأفول، وأن الحرب الحديثة، كما أثبتت جبهة اليمن، قد تُحسم أحياناً لصالح من يمتلك القدرة على فرض حرب استنزاف اقتصادية فعالة، حتى لو كانت أدواته أبسط وأقل تكلفة.