
تقارير | بقش
مع انطلاق العام الدراسي الجديد 2025–2026، تفتح مدارس عدن أبوابها على فراغ تام، لا طلاب، ولا معلمين، فقط جدران صامتة تختزن ملامح اليأس والخذلان، فقد أعلنت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين في عدن، بشكل واضح وصريح، أن الإضراب العام في مدارس المحافظة مستمر حتى إشعار آخر، في ظل تجاهل حكومي تام لمطالب الكادر التربوي الذي بات يعاني من ظروف معيشية قاسية وغير إنسانية.
رئيس النقابة، “محمد أحمد الشيخ”، أكد في تصريحات صحفية اطلع عليها مرصد بقش أن الإضراب سيتواصل كحق قانوني ومشروع، داعياً إلى الاستجابة الفورية لكافة المطالب العادلة للمعلمين، والتي تتلخص في تحسين الأجور، وانتظام صرف الرواتب، وتثبيت العقود، وتفعيل التأمين الصحي، ووقف الاستقطاعات غير القانونية من مستحقات المتقاعدين.
وقال الشيخ إن النقابة لن تتراجع عن موقفها حتى يتم إدراج أجور المعلمين ضمن البند الأول من الموازنة العامة للدولة، واعتماد استراتيجية رواتب تتناسب مع غلاء المعيشة وتدهور قيمة الريال اليمني الذي فقد أكثر من 80% من قيمته منذ بداية الحرب، مما جعل الراتب الشهري – إن تم صرفه – لا يكفي لشراء سلة غذائية أساسية لمدة أسبوع واحد فقط.
تدهور غير مسبوق في أوضاع المعلمين
بحسب بيان رسمي صادر عن نقابة المعلمين الأسبوع الماضي، لم يتسلم المعلمون حتى الآن راتب شهر مايو، فيما يتم صرف الرواتب الأخرى بشكل متقطع ومتأخر، مما أدخل آلاف الأسر التربوية في دوامة العجز عن دفع الإيجارات أو شراء الأدوية أو تغطية تكاليف النقل والطعام.
وأشار البيان إلى أن ما يسمى بـ”الحافز الشهري”، الذي كان يُصرف بتمويل محلي من محافظ عدن، قد توقف هو الآخر دون أي إشعار أو بديل، ما فاقم من حالة الفقر واليأس بين أوساط الكادر التربوي، ودفع بعض المعلمين إلى العمل في مهن شاقة أو هامشية لا تليق بمكانتهم العلمية.
الإضراب الذي بدأ منذ الفصل الدراسي الثاني من العام الماضي لا يزال متواصلاً، ما أدى إلى ضياع أشهر كاملة من العملية التعليمية لعشرات الآلاف من الطلاب في مختلف المراحل الدراسية، ومع حلول عام دراسي جديد بلا معلمين ولا مناهج، يجد أهالي عدن أنفسهم أمام واقع مرير يهدد مستقبل أبنائهم، خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي والتضخم الجنوني الذي جعل التعليم الخاص خياراً غير متاح لغالبية الأسر.
يُذكر أن متوسط تكاليف التعليم في المدارس الخاصة تجاوزت الـ200 ألف ريال شهرياً، في وقت لا يتجاوز فيه متوسط دخل الأسرة نحو 50 ألف ريال فقط، مما يجعل من خيار التعليم المجاني – رغم ضعفه – الملاذ الوحيد لآلاف الأطفال، والذي يُغلق اليوم بفعل الإضراب المشروع والمبرر.
الحرب الاقتصادية تلتهم عدن والمعلمين أول الضحايا
تعاني عدن، من أزمة اقتصادية طاحنة للعام العاشر على التوالي، وتدهور سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية، حيث تخطى حاجز الـ2731 ريال للدولار الواحد، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تجاوزت 300% خلال الأشهر الـ12 الماضية فقط، وفق بيانات رسمية صادرة عن الغرفة التجارية في المدينة.
وسط هذا الواقع، بات المعلم في عدن لا يستطيع تأمين لقمة العيش، بينما تتحدث الحكومة عن “إصلاحات اقتصادية” لا تلامس حياة المواطن، ولا تلتفت للقطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة.
رغم المناشدات المتكررة من النقابات، والمجتمع المدني، وممثلي أولياء الأمور، إلا أن الحكومة لا تزال تلتزم الصمت تجاه واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد الأجيال القادمة، ومع غياب أي بوادر لحلول جذرية، تتسع هوة الانهيار، وتتحول المدارس في عدن من منارات علم إلى رموز للألم والخذلان.
في الوقت الذي يصر فيه المعلمون على مواصلة احتجاجهم حتى تحقيق كافة المطالب، يبقى مستقبل التعليم في عدن معلقاً، وضحية مباشرة لتقاعس الحكومة، واستمرار الحرب، وانهيار الاقتصاد، وكلها أسباب تعصف بالحياة اليومية للمعلم والطالب والأسرة على حد سواء.