تقارير
أخر الأخبار

الولايات المتحدة تضيّق الخناق على ملكية الأجانب للأراضي الزراعية: الأمن القومي يتقدم على العولمة

تقارير | بقش

تحركت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطى أكثر صرامة تجاه تملك الأجانب للأراضي الزراعية، في خطوة تُعيد تشكيل العلاقة بين الأمن القومي والتدفقات الاستثمارية الخارجية، لا سيما مع تصاعد التوترات الجيوسياسية مع الصين.

خلال مؤتمر صحفي رسمي، أعلنت وزارة الزراعة الأمريكية عن سلسلة من الإجراءات التشريعية والتنفيذية، تهدف إلى تقييد عمليات الشراء التي يقوم بها “رعايا دول مثيرة للقلق أو خصوم أجانب”، وفي مقدمتهم الصين.

وتشمل هذه الإجراءات التنسيق المباشر مع لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)، لتعزيز الرقابة على الصفقات التي تمس الأمن الغذائي أو البنية الزراعية الاستراتيجية للبلاد.

وتعكس هذه التدابير، وفقاً لتحليل مرصد “بقش” للمتابعة الاقتصادية الأمريكية – الصينية، تحوّلاً في المزاج التشريعي الأمريكي نحو نموذج حماية أصول السيادة الاقتصادية، خاصة في ظل بروز الزراعة والتقنيات الحيوية كعناصر أمن قومي في مرحلة ما بعد كوفيد والحرب في أوكرانيا.

تحول في السياسة الفدرالية: الولايات تتحرك قبل واشنطن

وفقاً لبيانات المركز الوطني للقانون الزراعي، فقد حظرت نحو نصف الولايات الأمريكية بالفعل تملك الأجانب للأراضي الزراعية كلياً أو جزئياً، وهو ما سبق التحرك الفدرالي الأخير، ويمثل ضغطاً متزايداً على واشنطن لتقنين هذه المواقف ضمن تشريعات وطنية واضحة.

وقد سبق لبعض الولايات اتخاذ خطوات تنفيذية صارمة، مثل ولاية أركنساس، التي أجبرت في عام 2023 وحدة تابعة لشركة سينجينتا الصينية على تصفية 160 فداناً من الأراضي الزراعية، استنادًا إلى قانون محلي يحظر ملكية الأراضي من قبل كيانات أجنبية محظورة.

كما أُلغي مشروع صيني ضخم لإنشاء مطحنة ذرة بقيمة 700 مليون دولار في ولاية نورث داكوتا، بعد اعتراضات سياسية واسعة، مما يدل على حجم الحذر المحلي تجاه النفوذ الصيني المتزايد في مناطق حساسة جغرافياً وزراعياً.

الوجود الصيني الزراعي في أمريكا: أرقام متواضعة، قلق متزايد

تشير بيانات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن الملكية الأجنبية للأراضي الزراعية الأمريكية تبلغ نحو 45 مليون فدان حتى عام 2023، أي ما يعادل 3.5% فقط من إجمالي الأراضي الزراعية الخاصة، ومن بين هذا الرقم، يمتلك المستثمرون الكنديون أكثر من الثلث، بينما تبلغ الحصة الصينية نحو 280 ألف فدان فقط، أي أقل من 1% من إجمالي الملكية الأجنبية.

ورغم هذه الحصة الضئيلة نسبياً، فإن رمزية الاستحواذ الصيني في قطاعات استراتيجية، مثل البذور والهندسة الوراثية وقطاع اللحوم (عبر شركة سميثفيلد فودز المملوكة لمجموعة WH الصينية)، أثارت هواجس عميقة داخل دوائر الأمن القومي والكونغرس، بحسب ما رصده “بقش” من تصريحات لمستشارين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع.

أعلنت وزيرة الزراعة بروك رولينز عن ما أسمته “خطة العمل الوطنية لأمن المزارع”، التي تتضمن تشديد العقوبات على التأخير في الإفصاح عن الملكية الأجنبية أو تقديم بيانات غير صحيحة، لتصل الغرامة إلى 25% من قيمة الأصول، مع إطلاق بوابة إلكترونية جديدة لتلقي بلاغات الانتهاكات.

كما أكدت رولينز أن وزارتها ألغت بالفعل سبع اتفاقيات مع جهات أجنبية مصنفة على أنها مثيرة للقلق، وقطعت التعاون البحثي مع 70 فرداً مرتبطين بتلك الدول.

وهذه الخطوات تعكس، بحسب تحليل مرصد “بقش”، إعادة تعريف للأمن الغذائي كأمن معلوماتي واستخباراتي أيضاً، لا يتوقف عند ملكية الأرض، بل يشمل من يحق له المشاركة في تطوير البذور، والأسمدة، والتكنولوجيا الزراعية الحيوية.

التداعيات الاقتصادية: انحسار للاستثمارات الآسيوية وترقب أوروبي

من المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى انكماش إضافي في شهية الاستثمارات الآسيوية، وخاصة الصينية، داخل السوق الزراعي الأمريكي، فقد أفادت شركة “سينجينتا” بأنها في طور بيع ما تبقى لها من الأراضي الأمريكية، والتي تقل حالياً عن 1000 فدان، كما أوضحت “سميثفيلد” أنها باعت أكثر من ثلث أراضيها، ولم يتبق لها سوى 85 ألف فدان “في تراجع مستمر”.

وتشير تحليلات اطلع عليها مرصد “بقش” إلى أن هذه المواقف قد تدفع الصين للتركيز على أسواق بديلة للاستحواذ الزراعي، خصوصاً في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، فيما سيترقب المستثمرون الأوروبيون كيف ستُصنّف واشنطن الدول “المثيرة للقلق”، وما إذا كانت ستشمل مستقبلاً حلفاء تقليديين يعتمدون على شراكات زراعية ثنائية مع الولايات المتحدة.

في ظل هذا التحول، يبدو أن الولايات المتحدة تعيد ضبط علاقتها بـ”اقتصاد السوق المفتوح” في ملف الأراضي الزراعية، لتتقدم المخاوف الأمنية على الحريات الاستثمارية. ويُعيد هذا التوجه تساؤلات عميقة حول مستقبل العولمة في قطاع الأمن الغذائي، وخاصة في الدول الغربية التي تواجه منافسة صينية متزايدة في سلاسل التوريد.

وفي حين أن حصة الصين الحالية من الأراضي الأمريكية صغيرة، إلا أن قيمة هذه الأراضي الاستراتيجية، واستخداماتها في تطوير الغذاء والتكنولوجيا الحيوية، تجعلها ذات أبعاد أمنية تفوق الأوزان النسبية، وهو ما يفسّر تصاعد التحركات الأمريكية على مستوى الولايات والحكومة الفدرالية في آنٍ واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش