
تقارير | بقش
يمعن الاحتلال الإسرائيلي في تجويع وتعطيش الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث قام في آخر إجراءاته التعسفية بإتلاف حمولة 1000 شاحنة من المواد الغذائية والطبية، تشمل كميات كبيرة من الغذاء كانت مخصصة لسكان غزة، وهو ما يزيد من المخاطر الكارثية للمقتلة الجماعية بحق أكثر من مليوني إنسان داخل القطاع المحاصر.
ويحذر مكتب الإعلام الحكومي بغزة من مقتلة جماعية مرتقبة بحق 100 ألف طفل خلال أيام، إذا لم يتم إدخال حليب الأطفال فوراً حسب اطلاع بقش. وقد سجلت المستشفيات في الأيام الأخيرة ارتفاعاً يومياً بمئات حالات سوء التغذية المهدد للحياة.
ووفقاً لإدارة مجمع الشفاء الطبي فإن أعداد الوفيات غير مسبوقة بسبب التجويع الممنهج في غزة، مؤكدةً أن الوضع في القطاع حرج وخطير جداً، وأن مصير الفلسطيني بغزة أصبح الموت بالرصاص أو جوعاً أو مرضاً، بينما أصبحت المستشفيات في أسوأ حالاتها.
وبينما ينفذ جيش الاحتلال عمليات نسف لمبانٍ سكنية كاملة في المناطق الشرقية لمدينة غزة، تتفشى المجاعة الكاملة في القطاع وبات 200 ألف طفل في مراحل الخطر بسبب سوء التغذية، في الوقت الذي يمنع فيه الاحتلال دخول المساعدات. وتؤكد وكالة “الأونروا” أن لديها من المساعدات ما يكفي سكان القطاع من الأغذية مدة 3 أشهر، لكن الاحتلال يمنع إدخالها، واصفةً ما يحدث بأنه “هندسة متعمدة للفوضى في غزة”.
ويؤكد المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن في غزة مجاعة جماعية مدبرة ومتعمدة، وأن نظام توزيع المساعدات المسمى بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” غير مصمم لمعالجة الأزمة الإنسانية، بل لخدمة أهداف عسكرية وسياسية وفق قراءة بقش، حيث يتم إزهاق الأرواح أكثر من إنقاذها، معتبراً أيضاً أن الإنزال الجوي يُعد وسيلة أكثر تكلفة وأقل فعالية لإيصال المساعدات.
من جانبها تقول منظمة الصحة العالمية إن الجوع الجماعي في غزة سببه حصار الاحتلال بالدرجة الأولى، ويلوّح بكارثة إنسانية مع ارتفاع وفيات الأطفال وتفاقم سوء التغذية. ويأتي ذلك بعد أن حذرت أكثر من 100 منظمة إغاثية وحقوقية عالمية من تفشي الجوع في غزة، رغم تكدس الأطنان من الأغذية والمياه النظيفة والإمدادات الطبية على الحدود وعدم السماح بإدخالها.
أزمة أخلاقية عربية وعالمية
وفي حين يُخذل الفلسطينيون في غزة من قِبل المجتمع العربي والدولي، لم يعد الموت والدمار مجرد أزمة إنسانية، بل أصبح أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي، على حد تعبير أمين عام الأمم المتحدة. يقول غوتيريش إن حجم ونطاق هذه الأحداث يتجاوزان أي شيء شهدناه في الآونة الأخيرة، ولا يستطيع تفسير مستوى اللامبالاة والتقاعس الذي نراه من قِبل الكثيرين في المجتمع الدولي، مضيفاً: “انعدام الرحمة، انعدام الحقيقة، انعدام الإنسانية”.
وأعلن رئيس كولومبيا عن قرار رسمي باعتراض أي سفينة تحمل “الفحم” وتتجه نحو إسرائيل، وقال: “لن نتواطأ مع مرتكبي الإبادة الجماعية، ولن يمر طن واحد من الفحم لإسرائيل، هذا أمر مني كقائد أعلى للقوات المسلحة وأتحمل كامل المسؤولية”.
وفي سياق هذه الأزمة الأخلاقية العالمية، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب الانسحاب من مفاوضات غزة في الدوحة متهماً حركة حماس بأنها لا تريد إنهاء الحرب. وجاء هذا الإعلان رغم أن مسؤولاً في البيض الأبيض قال إن ترامب “لم تعجبه” صور الجوع وسوء التغذية التي تخرج من قطاع غزة، ما دفعه لتوجيه مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف للبحث عن “حل مبتكر” لإيصال المساعدات الإنسانية.
وحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن ترامب اعتبر الوضع “مروّعاً ويجب أن ينتهي”، لكن الحل الذي وجّه ترامب باعتماده يتمثل في دعم مؤسسة غزة الإنسانية نفسها التي تُعد آلية مفتعلة لقتل الفلسطينيين المجوَّعين.
وكان أعضاء في الكونغرس الأمريكي طالبوا أمس الجمعة إدارة ترامب بضرورة الضغط على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، واعتبروا أن توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية بغزة عرّض العمليات الإنسانية للخطر، كما دعوا إلى إصلاح جذري بشأن الأوضاع الإنسانية أو إغلاق مؤسسة غزة الإنسانية.
في المقابل تزعم الحكومة الإسرائيلية أنها غير مسؤولة عن المجاعة في غزة، متهمة حركة حماس بافتعال الأزمة، وترى أنه لا توجد في غزة مجاعة تسببت بها إسرائيل، وأنها فقط تتصرف وفقاً للقانون الدولي.
وليس هناك موقف جاد من قِبل الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام المصري الذي وجد نفسه في مرمى اتهامات كثيرة بسبب إغلاق معبر رفح. وفي المقابل، ينشط الأوروبيون، وعلى رأسهم الإسبان، في مظاهرات احتجاجية واسعة تنديداً بتدهور الأوضاع الإنسانية المفجعة في غزة، وتصاعُد الحصار والمجاعة في القطاع. ووفق متابعات مرصد بقش، ظهر متظاهرون إسبانيون في برشلونة وهم يقرعون على أواني طبخ، في إشارة إلى ضرورة إدخال مساعدات الغذاء، رافعين علم فلسطين، فضلاً عن الحملات الشعبية والدعوات المنظمة لمقاطعة رسمية لإسرائيل.
من جانب آخر، تواصل قوات صنعاء عملياتها العسكرية، فقد أعلنت في بيان عسكري أخير عن تنفيذ ثلاث عمليات استهدفت ثلاثة أهداف حيوية لإسرائيل في إيلات وعسقلان والخضيرة جنوب حيفا، وأكدت أن عملياتها لن تتوقف إلا بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها.
وبينما تستفحل أزمة الجوع على نحو خطير في قطاع غزة، وتتزايد الوفيات بسبب سوء التغذية، تتطلب الكارثة أفعالاً أكثر من الإدانات والبيانات، إذ إن المجاعة مهندسة بدقة، فحتى لو أمكن توزيع الطعام بشكل عادل من قِبل النظام الأمريكي الإسرائيلي الجديد، وهو أمر مستحيل، فهو غير كافٍ على الإطلاق، وحتى لو وصل المزيد، وهو ما قد يحدث إذا ما تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإن الحياة لا يمكن أن تستمر عندما تتناوب فترات قصيرة من الراحة الجزئية مع أشهر من الحرمان.