الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

رؤوس ثيران من ذهب بيحان… فصل جديد في نزيف آثار اليمن

الاقتصاد اليمني | بقش

في فصل جديد من فصول النزيف الثقافي الذي تتعرض له آثار اليمن، سلط الباحث اليمني المتخصص في الآثار عبدالله محسن الضوء على واحدة من أندر وأروع المقتنيات الذهبية التي تعود إلى حضارة بيحان القديمة في محافظة شبوة، وهي ثلاث قطع أثرية صغيرة الحجم مصنوعة بدقة نادرة من الذهب الخالص، تأخذ شكل “رؤوس ثيران”، وتوزعت اليوم بين متاحف عالمية ومجموعات خاصة، وسط غياب أي دور رسمي لاستردادها.

تحف ذهبية بدقة مذهلة

تعود هذه الرؤوس إلى العصر القديم في بيحان، وهي مصنوعة من صفائح ذهبية رقيقة، تتضمن تفاصيل دقيقة لأذني الثور عبر ستة أنصاف كروية مزدوجة مرتبة في دوائر، بالإضافة إلى سبعة أنصاف كروية أخرى على مقدمة الرأس والكمامة والخصلات. عيون الثور مصنوعة من العقيق الأبيض والأسود بطبقات دائرية وحواف دقيقة ترسم الحدقات الداكنة.

بحسب محسن، يبلغ طول الرأس الواحد 5 سم فقط، بعرض 3.34 سم وعمق 1.44 سم، وهو ما يجعله قطعة مصغرة مقارنة بالصورة الشخصية، لكنه يحمل مستوى عالياً من الحرفية الفنية ودقة التصميم المذهل، ما يجعله قطعة استثنائية في فنون الذهب القديمة بجنوب شبه الجزيرة العربية.

من بيحان إلى المتاحف العالمية

تُظهر المعلومات التي رصدها “بقش” أن أحد هذه الرؤوس الذهبية الثلاثة موجود اليوم في المتحف البريطاني بلندن، بعدما اشتراه الباحث نيكولاس رايت من أمير بيحان الأسبق صالح بن أحمد الهبيلي، ضمن مجموعة نادرة من الحلي الذهبية، وقد أهداه لاحقاً للمتحف البريطاني، الذي يضم اليوم عدداً كبيراً من القطع اليمنية التي خرجت بطرق غير واضحة خلال العقود الماضية.

أما الرأس الذهبي الثاني، فقد استقر في “دار الآثار الإسلامية” بدولة الكويت، ويرجح أن الدار اقتنته في مزاد إسرائيلي أقيم في تل أبيب بتاريخ 23 سبتمبر 2021، نظمه عالم الآثار الإسرائيلي روبرت دويتش عبر منصة “Bidsprit”، وكان من مجموعة جامع الآثار شلومو موساييف.

وبحسب المعلومات التي جمعها بقش، فإن الرأس الذهبي الثالث لا يُعرف مكانه الحالي، لكنه كان ضمن مجموعة الآثار التي اقتناها تاجر التحف الهندي “مونشيرجي” في عدن خلال النصف الأول من القرن العشرين، قبل أن تتفرق مجموعته لاحقاً بين عدد من الجامعين الدوليين.

استمرار النزيف.. وغموض في المسؤولية

القضية ليست فقط في قيمة هذه القطع النادرة، بل في غياب أي جهود حكومية أو قانونية لاستعادتها، أو حتى لتوثيق حركتها ومصيرها. ووفقاً لمتابعات بقش، فإن المزادات العالمية تستمر بعرض آثار يمنية من عصور ما قبل الميلاد حتى اليوم، دون أي اعتراض رسمي يُذكر، في ظل هشاشة القانون الداخلي وعدم تفعيل أدوات القانون الدولي مثل اتفاقية 1970 الخاصة بمنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.

ويمثل تهريب هذه القطع خسارة مزدوجة: ثقافية واقتصادية، حيث كانت تُمثل لو استُثمرت محليًا ثروة معرفية وسياحية ضخمة يمكن أن تدعم الاقتصاد اليمني المنهك. ويأتي هذا التقرير مكملاً للتقرير السابق الذي رصده “بقش” حول عرض ختم ذهب “الإلكتروم” اليمني، أحد أندر القطع في تاريخ سبائك الذهب، في مزاد أمريكي بتاريخ 1 مارس 2023، دون أي توثيق رسمي لعملية خروجه من اليمن.

تاريخ يُسرق من دون مقاومة

رؤوس الثيران الذهبية، تماماً كما هو الحال مع تمثال “ذات التاج” الذي تناولته تقارير “بقش” في وقت سابق، تمثل حلقات متصلة من إرث اليمن القديم، الذي يُسلَب من موطنه ليُعرض في قاعات المزادات أو زوايا المتاحف الغربية، في وقتٍ تتآكل فيه هوية البلاد تحت وطأة الحرب والإهمال.

وبينما تغيب الجهات اليمنية الرسمية وتستمر المزادات في الخارج، تزداد المخاوف من ضياع ما تبقى من إرث اليمن الحضاري الذي يروي تاريخاً ضارباً في عمق الزمان، من بيحان إلى شبام إلى مأرب إلى ظفار.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش