الرسوم الجمركية الأمريكية ترفع الحواجز وتضغط على النمو العالمي.. رغم تجاهل الأسواق

الاقتصاد العالمي | بقش
رغم الهدوء النسبي في الأسواق المالية العالمية، تتراكم المؤشرات على أن السياسات التجارية الحمائية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت تُلحق أضراراً ملموسة بالاقتصاد العالمي، في وقتٍ تُظهر فيه الشركات تباطؤاً في قرارات الاستثمار، بينما يُعاد رسم خريطة التجارة الدولية بوتيرة متسارعة.
وبحسب متابعات بقش، فإن متوسط التعريفة الجمركية الأمريكية ارتفع إلى 13.5% في منتصف 2025، أي ما يقرب من ستة أضعاف مستواه عند تولّي ترامب الرئاسة في يناير، ويُتوقع أن يرتفع إلى 16% مع تنفيذ الاتفاق الأخير مع الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها الأعلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
تشير تقديرات بلومبيرغ إيكونوميكس، التي اطلع عليها بقش، إلى أن الأثر التراكمي لهذه السياسات قد يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 2 تريليون دولار حتى نهاية 2027، مقارنة بالمسار السابق للحرب التجارية.
ويأتي ذلك رغم إبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي واليابان وعدد من الدول الأخرى، تنص على فرض تعريفات بنسبة 15%، أي أقل من مستوى 30% الذي لوّحت به واشنطن سابقاً.
استثمارات مؤجلة وسلاسل توريد مضطربة
يقول “دانيال هارنبرغ”، كبير الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس”، إن “التعريفات الجمركية تحولت إلى ضرائب فعلية على الاستثمار”، مشيراً وفق اطلاع بقش إلى أن الشركات الأمريكية والأجنبية أصبحت تُعيد تقييم توسعاتها، وتُجمّد مشروعاتها بسبب عدم اليقين المتزايد.
وبحسب ما نشرته وسائل إعلامية عالمية، فإن شركات مثل NatureSweet الأمريكية علّقت خطط توسعية كبيرة في أريزونا، بعد أن طالتها تعريفات على واردات من المكسيك وسريلانكا وتشيلي، كما اشتكت شركات تصنيع السيارات في اليابان وألمانيا من تآكل هوامشها واضطرارها لخفض أسعار صادراتها، مما أثر على أرباحها التشغيلية.
رغم الانتعاش الجزئي لمؤشرات الأسهم والسندات بعد “يوم التحرير” في أبريل، إلا أن تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، تشير إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الثاني من العام قد لا يتجاوز 1%، مقارنة بـ2.9% في نهاية 2024.
ويُعزى هذا التباطؤ إلى تسارع الاستيراد قبل فرض الرسوم ثم انكماش النشاط التجاري، إضافة إلى تباطؤ الإنفاق على المعدات والمشروعات الرأسمالية، التي تمثل مكوّناً أساسياً في النمو الأمريكي.
قطاع السيارات والطاقة الأكثر تضرراً
اضطرت شركات كبرى مثل جنرال موتورز وتسلا وفولكس فاغن إلى خفض توقعاتها المالية، نتيجة زيادة التكاليف الناتجة عن الرسوم وفق تتبع بقش. وأفاد المدير المالي لشركة ميتسوبيشي بأن التعريفات أدّت إلى تراجع مبيعاتهم رغم تخفيض الأسعار، و”أي تخفيف طفيف في الرسوم لا يعني أننا نستطيع التراخي”، حسب تعبيره.
وتُظهر البيانات أن دولاً مثل الهند والبرازيل تحاول الاستفادة من تحول سلاسل التوريد العالمية، لكن التأقلم مع التعريفات المرتفعة يستغرق وقتاً، وفي فيتنام، وهي من أبرز المستفيدين من الجولة الأولى من الحرب التجارية، بدأت المصانع تشهد توقفاً في الطلبات وتردداً في الإنتاج، بفعل الرسوم الجديدة التي أعلنها ترامب بنسبة تصل إلى 46%.
أما أوروبا، فتخشى على مستقبل صناعتها التصديرية، إذ أشارت المفوضية الأوروبية إلى أن اتفاق الرسوم بنسبة 15% “هو أفضل ما يمكن الحصول عليه”، رغم تحذيرات منظمات الأعمال الألمانية من أنه سيُضر بصناعة السيارات الموجهة للتصدير.
الرسالة من الأسواق: مزيد من الغموض
في استطلاعات بلومبيرغ التي اطّلع عليها بقش، تراجعت توقعات الاستثمار الرأسمالي في كل دول مجموعة السبع مقارنة بما كانت عليه قبل بدء الحرب التجارية. كما تُظهر بيانات الأمم المتحدة انخفاضاً بنسبة 11% في الاستثمار الأجنبي المباشر في 2024، مع توقعات بمزيد من التراجع هذا العام.
ما يظهر الآن هو أن الأسواق لم تُعدّل توقعاتها على المدى المتوسط بالشكل الكافي رغم التصعيد المستمر، ومع ارتفاع الرسوم إلى مستويات تاريخية، وتزايد الضغط على الشركات والمستهلكين، فإن الأثر الكامل للحرب التجارية الجديدة لا يزال يتفاعل على أرض الواقع.
وفي وقتٍ يحتفل فيه البيت الأبيض بارتفاع عائدات الجمارك وزيادة التصنيع المحلي، يبقى السؤال مفتوحاً: هل هذا النمو قابل للاستمرار أم أنه مرحلة انتقالية قبل تباطؤ أوسع؟