احتجاجات متصاعدة في المكلا وعدن وسيئون رفضًا لانهيار الخدمات وانقطاع الكهرباء: غضب شعبي وشلل شبه تام في المدن

متابعات محلية | بقش
تشهد عدد من المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة حكومة عدن تصعيداً شعبياً متسارعاً احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية، حيث خرج مئات المواطنين، صباح اليوم، في تظاهرات غاضبة في سيئون وعدن والمكلا، احتجاجاً على الانهيار الكامل في منظومة الخدمات، وفي مقدمتها الكهرباء والمياه، وسط موجة حر غير مسبوقة في المحافظات الساحلية.
في وادي حضرموت، أغلق محتجون في مدينة سيئون شوارع رئيسية ومرافق حكومية، كما شهدت الأسواق التجارية عصياناً مدنياً جزئياً استجابة لدعوات ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في رسالة احتجاج قوية على الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وتردي الخدمات الأساسية التي تفاقمت بشكل كارثي خلال الأسابيع الماضية.
وفي عدن، خرج المئات من أبناء مديرية المنصورة، مساء أمس الأربعاء، في مسيرات شعبية غاضبة جابت شوارع المدينة، وأضرم المحتجون النار في إطارات السيارات وقطعوا الطرق الرئيسية، مطالبين بتحسين مستوى الخدمات ووضع حد للانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي تشهده المدينة، والتي باتت تعاني من أسوأ أزمة كهرباء ومياه منذ سنوات.
وقال شهود عيان لمرصد بقش إن المتظاهرين رددوا هتافات تطالب بوقف سياسة الإهمال والفساد ورفعوا لافتات تحمل السلطات المحلية والحكومة المعترف بها دولياً والتحالف العربي مسؤولية “تجويع الناس وتعذيبهم عبر الخدمات”.
أما في المكلا، مركز محافظة حضرموت، فقد اتسعت رقعة الغضب الشعبي بصورة غير مسبوقة مساء الأربعاء، بعد اقتحام عشرات المحتجين الغاضبين مبنى مؤسسة الكهرباء، وتحطيم طقم عسكري تابع للقوات المكلّفة بحمايته.
وأكدت مصادر محلية للمرصد أن قوات أمنية أطلقت الرصاص الحي باتجاه المحتجين، ما أسفر عن إصابة شاب من أبناء المدينة بجروح، وسط حالة من الذعر في أوساط السكان.
وفي تصعيد رمزي لافت، قام محتجون في المكلا والشحر بتمزيق صور قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي وزعماء دولة الإمارات، في إشارة واضحة إلى تحميلهم مسؤولية ما وصفوه بـ”الإذلال المعيشي المنهجي”، بحسب ما ورد في الشعارات التي رفعها المحتجون.
لجنة التصعيد لأبناء المكلا أصدرت بياناً نارياً دانت فيه ما وصفته بـ”القمع الدموي للمتظاهرين السلميين”، متهمة السلطة المحلية بالفشل الكامل في إدارة الخدمات. ودعا البيان إلى إقالة المحافظ مبخوت بن ماضي ومحاسبته على ما سمّاه “الفساد المستشري وتكريس المعاناة اليومية للمواطنين”، وأعلنت اللجنة استمرار العصيان المدني الشامل، وإغلاق كافة المرافق الحكومية والخدمية في المدينة حتى تنفيذ جميع المطالب دون مساومات.
وفي المقابل، أرجع قائد الشرطة العسكرية بالمكلا العقيد مراد خميس باخُلّه إطلاق النار إلى ما وصفه بـ”دوافع أمنية”، وقال إن مجهولين استهدفوا أطقماً عسكرية في منطقة فوة، وإن الرد جاء لحماية الجنود، مؤكداً أن الطلقات لم تكن موجهة نحو المتظاهرين.
من جهتها، دعت ما تسمى بـ”حركة ثورة الجياع”، التي تنشط في عدد من المحافظات الجنوبية، جميع التجار وأصحاب المحال التجارية في المحافظات إلى إعلان العصيان المدني الشامل، تصعيداً للاحتجاجات الشعبية ضد “سياسة التجويع والإفقار الممنهجة التي تنفذها سلطات الأمر الواقع بتواطؤ مباشر من التحالف”، وفق تعبير الحركة.
وتأتي هذه التحركات الغاضبة في وقت تشهد فيه المدن الساحلية ارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة، وانهياراً تاماً في خدمة الكهرباء التي وصلت ساعات الانقطاع فيها إلى أكثر من 20 ساعة يومياً، في ظل عجز حكومي واضح عن توفير الوقود أو تنفيذ إصلاحات حقيقية في قطاع الطاقة.
مصادر محلية في حضرموت وعدن أكدت لـ”مرصد بقش” أن الاحتقان الشعبي بلغ ذروته، مع غياب أي إجراءات ملموسة من الحكومة أو السلطات المحلية لمعالجة الأزمات الخدمية والاقتصادية المتفاقمة، محذّرة من أن “الوضع ينذر بانفجار واسع قد تخرج فيه الأمور عن السيطرة، إذا لم يتم التحرك الفوري والاستجابة الجادة لمطالب المحتجين”.
ويرى مراقبون أن ما يحدث ليس مجرد احتجاجات على انقطاع الكهرباء، بل هو تمرد شعبي على واقع معيشي خانق، وسلوك رسمي قائم على الإهمال والفساد، في واحدة من أكثر المراحل حساسية وتعقيداً في تاريخ اليمن المعاصر.
وتتزامن هذه التطورات مع تصاعد التوتر السياسي بين المكونات المحلية وتنافس الأطراف الإقليمية على النفوذ داخل حضرموت وعدن، في وقت لا تزال فيه الخدمات تنهار تباعاً، والعملة الوطنية تفقد قيمتها، والأسواق تواصل صعودها الجنوني بلا ضوابط أو رقابة.
ويبقى السؤال المطروح في الشارع: من ينقذ هذه المدن من الانهيار؟ وهل هناك إرادة حقيقية لدى من يملكون القرار، قبل أن يصبح الغضب الشعبي خارجاً عن السيطرة بالكامل؟