الاقتصاد العالمي |
فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفة جمركية بنسبة 50% على واردات البن البرازيلي، ضمن حزمة من الإجراءات التجارية الجديدة التي تبدأ في 06 أغسطس الجاري، مما قد يعيد تشكيل خريطة تجارة البن العالمية ويخلق ضغوطاً على أسواق القهوة الأمريكية.
البرازيل، باعتبارها أكبر منتج ومصدّر للبن في العالم، تواجه تحدياً في إيجاد مشترين بديلين لما يقارب 8 ملايين كيس من القهوة تُصدَّر سنوياً إلى الولايات المتحدة، وبلغت قيمة تجارة القهوة بين البلدين نحو 4.4 مليار دولار خلال العام المنتهي في يونيو الماضي، وفق بيانات جمعية Cecafe البرازيلية للمصدرين.
ويقول مايكل نوجنت، أحد كبار وسطاء القهوة في الولايات المتحدة: “ستعيد هذه الرسوم ضبط تدفق تجارة البن العالمية، وسيتوزع الألم من ساو باولو إلى سياتل، من المزارع إلى سلاسل المقاهي والمتاجر وحتى المستهلكين اليوميين.”
الصين والاتحاد الأوروبي أبرز المستفيدين
في ظل هذا التصعيد، يُرجَّح أن تستفيد الصين من إعادة توجيه التدفقات البرازيلية، خاصة مع تنامي استهلاك القهوة فيها بمعدل 20% سنوياً، وتضاعف استهلاك الفرد خلال خمس سنوات. وقد صدّرت البرازيل أكثر من 538 ألف كيس إلى السوق الصينية في النصف الأول من 2025، مع توقعات بزيادة الكمية قريباً.
كما يُتوقَّع أن تستقبل الأسواق الأوروبية المزيد من الحبوب البرازيلية، نظراً لغياب القيود الجمركية عليها. ويرى لوجان أليندر، رئيس قسم القهوة في نادي أطلس للقهوة “Atlas Coffee Club”، أن القهوة البرازيلية ستبحث عن طرق جديدة للوصول إلى أسواق بدون تعريفات.
ويشير خبراء إلى أن بعض المصدرين قد يسعون إلى الالتفاف على التعريفة من خلال إعادة تصدير البن عبر دول ثالثة مثل المكسيك أو بنما، لتقليص التأثير الجمركي إلى ما بين 10% و15% فقط.
ويقول ديباجيوتي بهاتاشاريا، نائب الرئيس التجاري في شركة AFEX للسلع الزراعية: “غياب سلاسل التوريد القابلة للتتبع بدقة يجعل التعريفات عديمة الفاعلية عملياً، كما أن تجربة السوق مع النفط تُثبت أن المنع الصارم أمر صعب التطبيق.”
البعد السياسي: القهوة كورقة ضغط
رغم أن معظم المنتجات البرازيلية نالت إعفاءً من الرسوم، فإن استثناء البن من هذا الإعفاء يحمل دلالة سياسية واضحة. وبحسب المحللة جوديث جانيس، فإن الرئيس ترامب يستخدم القهوة كورقة تفاوضية في نزاعه مع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، عقب فرض عقوبات على قاضٍ في المحكمة العليا البرازيلية اعتبره ترامب “خصماً لحليفه بولسونارو”.
وفي هذا السياق، أفادت تقارير بأن القهوة المحمّلة قبل 6 أغسطس ستُعفى من التعريفة حتى 6 أكتوبر، ما يدفع المستوردين الأمريكيين للإسراع في شحن المخزونات المتوفرة.
وقال ويليام كابوس، الرئيس التنفيذي لشركة Downeast Coffee Roasters، إن شركته تعمل على شحن كل ما لديها من قهوة برازيلية قبل دخول القرار حيّز التنفيذ، مشيراً إلى أنه سيتجه لاحقاً إلى شراء الحبوب من دول أمريكا الوسطى وأفريقيا. لكنه حذّر من أن هذا الاتجاه الجماعي سيؤدي إلى ضغط تصاعدي على الأسعار داخل السوق الأمريكي.
البن ضحية صراع سياسي وتجاري متشابك
إن فرض تعرفة جمركية بمستوى 50% على البن البرازيلي لا يعكس فقط توجهاً حمائياً من قبل إدارة ترامب، بل يدخل ضمن سياق تصعيد سياسي مع البرازيل، واستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل المشهد التجاري الدولي وفق حسابات القوة والهيمنة.
ومع أن الرسوم قد تبدو أداة سيادية لحماية الإنتاج المحلي، إلا أن تطبيقها على سلعة استهلاكية رئيسية – مثل البن – ينذر بانعكاسات مباشرة على المستهلك الأمريكي الذي سيتحمل الكلفة النهائية.
وفي المقابل، فإن إعادة توجيه صادرات البن نحو الصين وأوروبا ستُعمّق الشراكات التجارية بين الدول النامية والاقتصادات الصاعدة في إطار تحالفات كـ”بريكس”، مما يساهم في تعزيز مراكز نفوذ جديدة خارج المدار الأمريكي، ويؤكد أن حرب الرسوم قد تُكلف واشنطن أكثر مما تكسبه.
