الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

قفزة تاريخية في صادرات الإسمنت المصري إلى الكيان الإسرائيلي في خضم تصعيد حرب غزة

الاقتصاد العربي | بقش

شهدت تجارة الإسمنت بين مصر وإسرائيل قفزة قياسية خلال العامين الأخيرين، متزامنة مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة والتحولات الجذرية في خريطة التجارة الإقليمية.

البيانات الرسمية الصادرة عن مصر وإسرائيل تكشف أن الصادرات المصرية من الإسمنت تضاعفت بأكثر من 45 مرة بين 2022 و2024، فيما قفزت قيمتها إلى نحو 142 مليون دولار بعد أن كانت لا تتجاوز 5 ملايين دولار قبل الحرب.

هذه الزيادة اللافتة لا تعكس مجرد شحنات طارئة، بل مسار توسع منتظم في الإمدادات، جعل من إسرائيل رابع أكبر مستورد للإسمنت المصري خلال 2024، بعد أن كانت في ذيل القائمة قبل عامين فقط.

مصر تحل محل تركيا في السوق الإسرائيلي

الطفرة المصرية جاءت لتنافس تصدير مواد البناء التركية إلى إسرائيل، والتي قالت أنقرة أنها ستفرض قيوداً عليها في أبريل 2024 ولكن حتى الآن لا تزال الشحنات التجارية التركية تتوالى إلى إسرائيل خصوصاً عبر البحر. وقد كانت تركيا المورد الأول للإسمنت لإسرائيل، حيث بلغت قيمة صادراتها نحو 282 مليون دولار في 2023، مقابل أقل من 17 مليون دولار من مصر.

لكن مع تواري أنقرة عن أنظار المشهد التجاري مع الكيان، سارعت القاهرة لتصدر القائمة، فارتفعت تدفقات الإسمنت المصري بشكل مطرد خلال النصف الثاني من 2024، حيث تجاوزت قيمة الصادرات الشهرية 13.5 مليون دولار، وبلغت ذروتها في ديسمبر بنحو 24 مليون دولار. هذه البيانات توضح أن التحول لم يكن مؤقتاً، بل إعادة تموضع هيكلي جعل مصر المورد الرئيسي لإسرائيل في قطاع حيوي.

أما المفارقة الأكثر إثارة للجدل أن هذه الطفرة التصديرية لم تأت لصالح السوق المحلي، فبينما تراجعت تكلفة الطن المصري المستورد لإسرائيل من نحو 94 دولاراً في 2022 إلى أقل من 60 دولاراً في 2024، ارتفع سعر كيس الإسمنت في السوق المصرية من 112 جنيهاً إلى 140 جنيهاً خلال الفترة نفسها، أي زيادة تفوق 25%.

بعبارة أخرى، استفادت إسرائيل من انخفاض أسعار الإسمنت المصري لتخفيف الضغوط السعرية على سوقها بعد الحرب، بينما وجد المستهلك المصري نفسه أمام أسعار أعلى ونقص نسبي في المعروض المحلي، نتيجة أولوية التصدير.

صناعة الإسمنت المصرية: فائض هيكلي وتحديات الطاقة

مصر تعد أكبر منتج للإسمنت في أفريقيا بطاقة تتجاوز 90 مليون طن سنوياً، لكن السوق المحلية لا تستهلك سوى جزء من هذه الطاقة، منذ 2018 ومع دخول مصنع العريش للإسمنت بطاقة ضخمة، تراكم الفائض الإنتاجي ما دفع الحكومة إلى فرض قيود على الإنتاج لتفادي انهيار الأسعار.

غير أن ارتفاع كلفة الطاقة وتحول المصانع إلى الفحم وفحم البترول منذ 2014 جعل المنتج المصري أقل تنافسية في بعض الأسواق، وهو ما يفسر استعداد الشركات للبيع لإسرائيل بأسعار أقل من التكلفة المحلية تقريباً، لتصريف الفائض وتأمين العملة الصعبة.

تنامي صادرات الإسمنت المصري لإسرائيل لا يمكن فصله عن التحولات الجيوسياسية في المنطقة. حيث وجدت تل أبيب مورداً سريعاً على حدودها الجنوبية. لكن هذه الطفرة تتزامن مع بيئة إقليمية معقدة، حيث يتواصل الضغط الاقتصادي على إسرائيل من عدة جبهات، خصوصاً مع استمرار العمليات اليمنية في البحر الأحمر التي عطّلت مسارات الشحن المرتبطة بإسرائيل، وحملات المقاطعة الاقتصادية في أسواق متعددة، وارتفاع تكاليف التأمين والنقل البحري نتيجة اتساع نطاق التوتر الإقليمي.

وبالتالي فإن الدور المصري في تغطية احتياجات إسرائيل من مواد البناء يمثل استثناءً لافتاً وسط بيئة اقتصادية تتسم بالضغط والعزلة.

يمكن القول إن ما شهدته صادرات الإسمنت المصري إلى إسرائيل بعد حرب غزة يعكس تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية في المنطقة. الطفرة لم تكن مجرد أرقام، بل مؤشر على إعادة توزيع الأدوار الإقليمية في التجارة والصناعة.

وبينما استفادت إسرائيل من مصدر بديل بأسعار منخفضة، وجد المواطن المصري نفسه أمام أعباء إضافية، وفي ظل استمرار الحرب وتداعياتها، يبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع مصر الموازنة بين متطلبات السوق المحلية وضغوط التصدير، أم أن المستهلك المحلي سيبقى الحلقة الأضعف في معادلة إقليمية أكبر؟

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش