أخبار الشحن
أخر الأخبار

اضطرابات البحر الأحمر ترفع خسائر الحاويات: طرق بديلة أكثر خطورة عبر رأس الرجاء الصالح

أخبار الشحن | بقش

كشف المجلس العالمي للشحن (WSC) في تقريره السنوي أن قطاع النقل البحري شهد ارتفاعاً جديداً في عدد الحاويات المفقودة في البحر خلال عام 2024، مسجلاً 576 وحدة، مقارنة بـ221 حاوية في 2023، وهو أدنى مستوى قياسي سابق. ورغم أن الرقم لا يزال أقل بكثير من متوسط السنوات العشر الماضية (1,274 حاوية سنوياً)، فإن الزيادة مرتبطة مباشرة بالتحولات الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر، وما نتج عنها من إعادة توجيه كبرى لطرق التجارة العالمية.

تزايدت الاضطرابات في البحر الأحمر منذ أواخر 2023 نتيجة عمليات قوات صنعاء ضد السفن والملاحة المرتبطة بإسرائيل، على خلفية حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في غزة. ومع تصاعد المخاطر قرب قناة السويس، تجنبت العديد من شركات النقل البحري المرور عبر البحر الأحمر، ما أدى إلى زيادة حركة السفن حول رأس الرجاء الصالح بنسبة 191% مقارنة بـ2023.

هذا التحول ضاعف من المخاطر، إذ يُعد الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية أحد أخطر المسارات البحرية في العالم. وتشير بيانات هيئة السلامة البحرية في جنوب أفريقيا إلى أن نحو 200 حاوية فقدت في هذه المنطقة وحدها خلال العام الماضي.

وكان مركز تنسيق العمليات الإنسانية التابع لحكومة صنعاء، أعلن في وقت سابق من أغسطس الجاري، عن فرض عقوبات على 64 شركة شحن بحري دولية (دون توضيح أسمائها وجنسياتها) بعد اتهامها بانتهاك قرار الحصار البحري المفروض على إسرائيل، مشيراً إلى أن السفن التابعة لهذه الشركات دخلت موانئ إسرائيلية بعد تلقيها إشعارات مسبقة تحذّر من العواقب، ما دفع المركز إلى إدراج كامل أساطيلها ضمن قائمة الحظر، ومنعها من العبور في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي، على أن تُعامل كأهداف معرضة للاستهداف العسكري.

مخاطر السلامة وتحديات الصناعة

تقرير مجلس الشحن العالمي الذي اطلع عليه مرصد بقش أوضح أن إعادة توجيه السفن لتفادي البحر الأحمر أجبرت الناقلات البحرية على مواجهة ظروف مناخية قاسية، ما ساهم في زيادة خسائر الحاويات. ومع ذلك، أشار المجلس إلى استمرار الصناعة في تحسين تدابير المناولة والتخزين والتأمين، ما ساعد على إبقاء الخسائر أقل من المستويات التاريخية.

ومن المنتظر أن تشهد صناعة النقل البحري تطورات تنظيمية مهمة خلال العامين المقبلين، فابتداءً من عام 2026، سيصبح الإبلاغ عن خسائر الحاويات للمنظمة البحرية الدولية (IMO) إلزامياً، بعد أن جرى اعتماد تعديلات على اتفاقية حماية الأرواح في البحر (SOLAS).

وفي السياق ذاته، يتجه مشروع بحثي مشترك تقوده مؤسسة MARIN بالتعاون مع المجلس العالمي للشحن إلى رفع تقرير نهائي للمنظمة البحرية الدولية في سبتمبر المقبل، بعد أن حقق تقدماً في تحديد الأسباب الرئيسية لفقدان الحاويات وتطوير أدوات وقواعد جديدة لتعزيز سلامة الشحن.

كما أطلق المجلس العالمي للشحن في عام 2025 برنامج سلامة البضائع، وهو أول نظام موحد على مستوى الصناعة يهدف إلى فحص البضائع ورصد المواد الخطرة غير المصرح بها، التي تعد من أبرز أسباب اندلاع الحرائق على متن السفن. وإلى جانب ذلك، ستدخل لوائح جديدة تخص شحنات الفحم حيز التنفيذ في عام 2026، لتعزيز معايير النقل الآمن لهذا النوع من البضائع الحساسة.

ورغم التقارير التي يتتبَّعها بقش والتي تؤكد استمرار الجهود من قِبل صناعة الشحن لمنع الخسائر، إلا أن إعادة توجيه السفن بعيداً عن البحر الأحمر وحول رأس الرجاء الصالح للحفاظ على حركة التجارة العالمية تجعل شركات النقل البحري تُبحر في أحد أكثر الطرق تحدياً في العالم.

هكذا تُفقد الحاويات

رغم التقدم الهائل في تكنولوجيا الملاحة البحرية وتصميم السفن العملاقة، ما زالت ظاهرة فقدان الحاويات من السفن تمثل كابوساً لصناعة الشحن البحري العالمية، وتُعتبر منطقة رأس الرجاء الصالح مثالاً حياً على ذلك.

يتم تحميل السفن الحديثة بآلاف الحاويات التي يتم رصها فوق سطح السفينة على طبقات متعددة، وتُثبَّت بأسلاك وقضبان حديدية تُسمى (lashing systems)، لكن مع ذلك تظل هذه الحاويات معرضة لخطر السقوط لعدد من الأسباب، أبرزها الأمواج العاتية والعواصف.

فمنطقة رأس الرجاء الصالح تمر بظروف جوية ومحيطية قاسية للغاية، حيث تتلاقى تيارات المحيطين الأطلسي والهندي. وهذه الأمواج العاتية التي قد تصل إلى ارتفاعات شاهقة، تؤدي إلى تأرجح السفينة بشكل كبير، ما يسبب انفكاك بعض الحاويات أو تحركها من أماكن تثبيتها وفق قراءة بقش.

سبب آخر هو التحميل الزائد بالأساس، أو التثبيت غير الجيد، ففي بعض الأحيان، ولتقليل التكاليف، يتم تحميل السفن بأكبر قدر ممكن من الحاويات، ما يزيد الضغط على أنظمة التثبيت، ويعني أي خطأ بشري أثناء التثبيت أو الفحص أن الحاويات ليست مؤمَّنة جيداً.

وتتعرض السفن العملاقة أحياناً لحركات اهتزازية شديدة نتيجة الأمواج المتقاطعة، وإذا ترافقت مع رياح شديدة، قد يؤدي ذلك إلى تحرُّك الحاويات وسقوطها. كما قد يؤدي فقدان إحدى الحاويات إلى زعزعة استقرار الحاويات المجاورة، لتتساقط الواحدة تلو الأخرى مثل قطع الدومينو.

وكانت بيانات سابقة لمجلس الشحن العالمي (WSC) طالعها بقش، أشارت إلى فقدان العالم سنوياً قرابة 1,500 إلى 2,000 حاوية في البحار والمحيطات حول العالم، ولذلك تداعيات اقتصادية وبيئية، فالضرر لا يقتصر على أصحاب البضائع فقط، بل تمثل الحاويات المفقودة خطراً بيئياً كبيراً بتحولها إلى “قمامة بحرية” تطفو أو تغرق جزئياً، مسببة تلوثاً أو خطراً على السفن الصغيرة والغواصات. كما أن بعض الحاويات قد تحتوي على بضائع خطرة مثل المواد الكيميائية أو البلاستيكية التي تهدد الحياة البحرية.

وللتعامل مع هذه المخاطر، تلجأ الشركات إلى أنظمة تتبع دقيقة لتحديد مواقع سقوط الحاويات قدر الإمكان، وتسعى بعض الدول لسن تشريعات تُلزم شركات الشحن بتحمل المسؤولية البيئية عند فقدان الحاويات، ويُلزم ملاك البضائع وشركات النقل عادة بتأمين بضائعهم ضد مخاطر الفقدان.

ويظل رأس الرجاء الصالح، رغم كونه مساراً استراتيجياً دولياً عند الأزمات، من أخطر الممرات الملاحية، إذ يتطلب من ربابنة السفن اتخاذ احتياطات مشددة عند المرور، من تعديل خط السير لتجنب العواصف، إلى إعادة توزيع الحاويات لتقليل الأضرار المحتملة.

لذا فإن إعادة توجيه التجارة بعيداً عن البحر الأحمر وقناة السويس نحو المسارات الأطول والأكثر خطورة، تطرح تحديات لوجستية ومالية لشركات النقل البحري، وتؤكد أن مستقبل الأمن البحري بات مرهوناً بالتوازن بين الاستقرار في المنطقة والتطورات التنظيمية داخل الصناعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش