تدمير إسرائيلي أمريكي ممنهج للأسر الفلسطينية في غزة… والمجاعة والقتل يخنقان القطاع

خاص | بقش
بينما يعيش قطاع غزة المحاصر واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، تتداخل المجاعة القاسية مع حرب الإبادة الشاملة وسياسة التجويع الممنهج، وثمة ما لا يقل عن 550 ألف شخص يواجهون حالياً نقصاً حاداً في المواد الغذائية الأساسية، وسط استمرار الحصار المشدد والتضييق على دخول المساعدات الإنسانية.
تعمل إسرائيل على تدمير الأسرة الفلسطينية بالمعنى الحرفي للكلمة، وفقاً لاطلاع بقش على أحدث التقارير. فالأسر الفلسطينية لم تعد قادرة على توفير احتياجاتها اليومية، ويضطر كثير من المواطنين للاعتماد على وجبات محدودة للغاية أو البحث عن بدائل بدائية للبقاء على قيد الحياة.
وحتى الآن، ارتفع عدد ضحايا التجويع الإسرائيلي في غزة إلى 251 شهيداً، بينهم 108 أطفال، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع، وأكدت أن المستشفيات سجلت في آخر 24 ساعة وفاة 11 حالة نتيجة سوء التغذية، كما أن هناك 40 ألف رضيع يعانون من سوء التغذية الحاد.
هكذا تدمَّر الأسرة الفلسطينية
باطلاع مرصد بقش على تصريحات لوكالة الأونروا، اليوم السبت، فإن الجوع ينتشر في غزة رغم إدخال المساعدات، لأن طريقة إدخالها بالأساس غير آمنة، والتدمير الممنهج للأسرة الفلسطينية يترافق مع ترك معظم أطفال القطاع مرضى في خيامهم.
ونشرت “الأونروا” في منصة “إكس” منشوراً قالت فيه إن مليون امرأة وفتاة بقطاع غزة يواجهن مجاعة جماعية، بسبب الإبادة الممتدة من أكتوبر 2023. وذلك يضاف إلى العنف والإساءة، مشيرةً إلى أن النساء والفتيات في غزة يضطررن إلى تبنّي استراتيجيات بقاء متزايدة الخطورة.
فالنساء والفتيات يخرجن للبحث عن الطعام والماء مع التعرض لخطر القتل الشديد، خلال لجوئهن إلى أساليب للبقاء على قيد الحياة رغم ما تنطوي عليه من أخطار كبيرة. وطالبت الأونروا برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة وإدخال المساعدات على نطاق واسع.
جمعية العودة الصحية بغزة، التي ذكرت أن هناك 550 ألفاً من سكان القطاع يواجهون نقصاً حاداً في المواد الغذائية الأساسية، أكدت أيضاً أن الأسر الغزية تعاني أيضاً على الصعيد الصحي، فالوضع داخل المستشفيات كارثي، والمرافق الطبية تعاني من نقص حاد في جميع المستلزمات الأساسية، بما في ذلك الأدوية والمحاليل الطبية ومواد التخدير.
وبدوره، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم السبت، أن إسرائيل دمرت خلال ستة أيام نحو 400 منزل في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، عبر تفجيرها بروبوتات مفخخة وقصفها بطائرات حربية، وأضاف في بيان اطلع عليه بقش أن قوات الاحتلال تقوم بتسوية حي الزيتون بالأرض منذ 11 أغسطس الجاري، في إطار خطة معلنة من إسرائيل لفرض سيطرتها الكاملة وغير القانونية على مدينة غزة، وتهجير سكانها مع النازحين إليها من شمال القطاع، الذين يقدَّر عددهم بنحو مليون نسمة، إلى مناطق معزولة ومحدودة المساحة جنوبي القطاع.
وتستخدم إسرائيل طائرات مسيّرة من نوع كوادكوبتر لحصار المربعات السكنية في حي الزيتون وإجبار السكان على المغادرة تحت تهديد السلاح، فيما تتقدّم آلياتها العسكرية تحت غطاء ناري كثيف وتتمركز خلف شارع 8 وقرب مفترق دُولة وأرض البرعصي وعليين، وهو ما دفع أكثر من 90 ألف مواطن يقطنون الحي إلى النزوح منه تحت القصف المكثف.
المرصد دعا المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومؤسسات إنفاذ القانون الدولي، إلى التدخل العاجل لوقف المجازر، وضمان حماية المدنيين، ومساءلة قادة الاحتلال عن الجرائم المروعة المرتكبة بحق السكان، وحذّر من أن استكمال الاحتلال عدوانه وتوسعه لإحكام السيطرة العسكرية التامة على مدينة غزة ينذر بارتكاب مذابح جماعية غير مسبوقة بحق المدنيين، ويقضي نهائياً على ما تبقى من جهود الاستجابة الإنسانية المتهالكة أصلاً.
هذا التصعيد، في حال تنفيذه، سيكرّس فصلاً غير مسبوق من الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تُرتكب على مرأى من المجتمع الدولي الذي يواصل توفير الغطاء السياسي والمالي والعسكري لمرتكبيها، ما يجعل المجازر القادمة أفعالاً معلنة سلفاً، لا باعتبارها تطورات ميدانية مفاجئة، بل نتيجة محسوبة لسياسة رسمية وعلنية، يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليتها الكاملة بصمته وتخاذله، وتواطؤ العديد من الدول بشكل مباشر، وفقاً للمرصد.
من جهة أخرى، زعمت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية أن إسرائيل ستمد غزة بالخيام ومعدات الإيواء عبر معبر كرم أبو سالم، يوم غد الأحد، 17 أغسطس، ويأتي ذلك تمهيداً لخطط الجيش الإسرائيلي لإجلاء المدنيين الفلسطينيين إلى جنوب القطاع، ضمن مخطط توسيع عمليات الاحتلال.
أزمة المساعدات: قتل الجميع بلا استثناء
شكل آخر مستمر من أشكال الإبادة، يتمثل في تجويع الفلسطينيين من جانب، وقتل الباحثين عن الطعام من جانب آخر، وقتل العاملين على تأمين قوافل المساعدات الإنسانية من جانب ثالث، في مشهد دموي كارثي لا يزال يلقى تجاهلاً عربياً ودولياً وعدم تحرك جاد وفعلي.
ويواصل الاحتلال منع دخول العدد الكافي من شاحنات المساعدات (الذي يتراوح بين 600 و1000 شاحنة يومياً وفق متابعة بقش)، ويتعرض العدد القليل الذي يُسمح بدخوله للنهب والسرقة جراء الظروف الأمنية الفوضوية التي أوجدها الجيش الإسرائيلي.
منذ بداية شهر أغسطس الجاري، وقعت 11 حادثة هجوم على فلسطينيين خلال عملهم في تأمين الحماية للقوافل في شمال غزة ووسطها، وأسفرت هذه الحوادث، وفق اطلاع بقش، عن قتل ما لا يقل عن 46 فلسطينياً، معظمهم من أفراد الأمن المرافقين لقوافل المساعدات والإمدادات، إلى جانب بعض من طالبي المساعدة، ذلك فضلاً عن الإصابات.
وهذا الاستهداف يأتي متعمداً من قِبل القوات الإسرائيلية بحق المدنيين الذين يشاركون في تأمين الضروريات الحياتية، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين.
وفي عشرات الحوادث استهدفت قوات الاحتلال أفراد الشرطة المدنية الذين لم يشاركوا في الأعمال العسكرية، مما ساهم في انهيار النظام العام حول قوافل الإمدادات، في ظل تزايد يأس السكان من الحصول على الغذاء في مواجهة المجاعة المتفاقمة.
كما يتم قتل الفلسطينيين بإنزال المساعدات جواً، التي باتت أشبه بصناديق الموت، في مشاهد تترجم كارثة غير مسبوقة وتؤكد فشل هذه الآلية في إدخال المساعدات، وخلال أغسطس الجاري استشهد العديد من الأشخاص وأصيب العشرات بسبب الإنزال الجوي، بينما أكدت المنظمات الدولية على ضرورة إدخال المساعدات براً بشكل حصري، وتحت إدارة الأمم المتحدة وليس إسرائيل التي أثبتت أنها تستخدم المساعدات وسيلة لتوسيع دائرة القتل والوحشية.
ومن جانب آخر، يمثّل استهداف المجوعين في مراكز التوزيع المحدودة للغاية، التابعة لـ”مؤسسة غزة الإنسانية” المستحدثة والمدعومة من قِبل إسرائيل والولايات المتحدة، طامّة كبرى في قطاع غزة لا تلقى رد فعل جاداً أكثر من بيانات الإدانة، بينما تستمر أعمال القتل الجماعي للمجوَّعين في مراكز التوزيع بشكل شبه يومي.
فحتى لحظة كتابة هذا التقرير، مساء السبت، لا يزال الفلسطينيون يتعرضون لنيران الجيش الإسرائيلي قرب مراكز توزيع المساعدات في مدينة رفح جنوبي القطاع. وفي أغسطس الجاري، شهدت ضجة بسبب العثور على عبارة “الإنسان أولاً” مطبوعة على طرد غذائي ملقى بجوار جثامين 3 فلسطينيين قتلتهم قوات الاحتلال بينما كانوا يحاولون الوصول إلى مساعدات في أحد مراكز التوزيع في قطاع غزة.
وعبّر المشهد عن فضيحة مدوية لأدعياء الإنسانية، واعتبر نشطاء أنها تكشف الوجه الحقيقي لما وصفوه بـ”مراكز الموت الأمريكية” التي تتستر خلف شعارات إنسانية زائفة، بينما يسهم وجودها في تعميق المأساة بدلاً من التخفيف منها.
دعم أوروبي سري لمؤسسة غزة الأمريكية الإسرائيلية
“مؤسسة غزة الإنسانية” التي تعمق المأساة في غزة ولا تعمل على التخفيف من معاناة الفلسطينيين، لا تزال تمارس أعمالها بدعم أمريكي وإسرائيلي معلن، بل وبوجود عناصر عسكرية من الجيش الأمريكي على الأرض، ساهموا في استهداف الفلسطينيين المجوَّعين إلى جانب قوات الاحتلال.
لكن الجديد هو أن المؤسسة تتلقى جزءاً من تمويلها من العديد من الدول الأوروبية غير المعروفة، لكنها دول تقع في أوروبا الغربية، وفقاً لمتحدث باسم هذه المؤسسة.
المتحدث رفض الإفصاح عن أسماء الدول وقال في تصريحات للقناة الرابعة البريطانية تابعها بقش، إن هذه الدول الأوروبية الداعمة بالمال لمؤسسة غزة الإنسانية، اشترطت الإبقاء على هويتها سراً “لأسباب سياسية” وعدم الكشف عن أنها تدعم مؤسسة غزة الإنسانية، وقال المتحدث: “لقد طلبوا منا أن نحتفظ بذلك بسرية، ونحن نفي بذلك الوعد”.
هذا الدعم الأوروبي يجسّد تناقضاً أوروبياً مكشوفاً، إذ يأتي الدعم لمؤسسة متهمة بقتل الفلسطينيين في الوقت الذي تواجه فيه الحكومات الأوروبية سخطاً شعبياً واسعاً وغير مسبوق في الشارع الأوروبي جراء التواطؤ الغربي مع إسرائيل في الإبادة، كما يُقدَّم الدعم في الوقت الذي تتخذ فيه حكومات أوروبية مواقف علنية تنحاز إلى وقف الحرب وإقامة دولة فلسطينية.
المتحدث قال أيضاً إن المؤسسة المنشأة أمريكياً تلقت 30 مليون دولار من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب التمويل الذي تتلقاه من الدول الأوروبية المانحة التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها.
كما أن تصريح المتحدث يتزامن مع بدء بعض الموظفين السابقين في الظهور لنقل شهاداتهم بشأن عمل المؤسسة المثير للجدل، ومن هؤلاء الضابط الأمريكي المتقاعد من القوات الخاصة أنتوني أغيلار، الذي كشف لـ”بي بي سي” عن سبب استقالته من عمله في فرق تأمين نقاط التوزيع، قائلاً إنه شاهد القوات الإسرائيلية وهي ترتكب جرائم حرب، وأكد أنه لم يرَ أبداً طوال سنين خدمته هذا المستوى من “الوحشية واستخدام القوة من دون تمييز، ومن دون ضرورة، ضد سكان مدنيين عُزَّل يتضورون جوعاً”.
وفي أواخر مايو 2025، وبعد مرور نحو 3 أشهر على إغلاق معابر قطاع غزة (في 02 مارس)، أعلن الاحتلال عن تبني آلية جديدة لتوزيع المساعدات الغذائية عبر هذه المؤسسة، وترتكز على إنشاء أربعة مراكز توزيع فقط، مقارنةً بعشرات المراكز التي عملت عليها الأمم المتحدة. ولاحقاً نُقلت إدارة المؤسسة إلى شخصيات أمريكية، في محاولة للحد من الانتقادات الدولية التي طالت إسرائيل بشأن سيطرتها المباشرة على العملية الإغاثية في غزة.
ولم تحظ الآلية بدعم دولي معلَن باستثناء الولايات المتحدة، نظراً لعدم استقلاليتها وعدم تحقيقها الحياد والنزاهة، وارتباطها المباشر بالأهداف السياسية والعسكرية للاحتلال، إضافةً إلى تقييدها المساعدات، والغموض المحيط بتأسيسها، الذي ذهب البعض إلى اعتباره جزءاً من مخطط تكديس الفلسطينيين في جنوب القطاع والتهجير.
حكاية المجاعة والكارثة الإنسانية في غزة تطول، لكنها تتجاوز كونها مجرد حكاية، إذ تبقى كل هذه المآسي واقعاً على الأرض يشهد على تخاذل عربي في المقام الأول، وعدم جدوى المجتمع الدولي وللقانون الدولي الذي لم يتمكن من ردع إسرائيل عن الجرائم المرتبكة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما لا يعرف الفلسطيني ما إذا كان سيبقى حياً خلال الساعة القادمة.