فضيحة مالية تهز بنك عدن المركزي: إخراج ملايين الريالات تحت غطاء المشاركة في معرض للعملات بـهونغ كونغ

الاقتصاد اليمني | بقش
كشفت وثائق رسمية نشرها عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي “فادي باعوم”، ورصدها “بقش”، عن واقعة مثيرة للجدل تتعلق بإخراج مبلغ ضخم من النقد اليمني الجديد من خزائن البنك المركزي بغرض المشاركة في معرض دولي لهواة جمع العملات بمدينة هونغ كونغ.
وبحسب الوثيقة التي تحمل الرقم: CBY/S/2702/5، والموقعة بتاريخ 03 مارس 2025 من قبل محافظ بنك عدن المركزي، فقد جرى السماح بخروج ثلاثين مليون ريال يمني نقداً، جرى تجهيزها بطبعات جديدة من مختلف الفئات الورقية.
حسب اطلاع بقش على نص الوثيقة، فقد جرى إعداد حزمة مالية ضخمة تجاوزت في الأصل ثمانية وثلاثين مليون ريال وخمسمائة ألف ريال يمني، توزعت على عدة فئات نقدية. فقد تضمن التجهيز اثنين وثلاثين مليون ريال من فئة المائة ريال بما يعادل 320 ألف ورقة نقدية جديدة، إلى جانب مليوني ريال من فئة المائتين ريال ما يعادل 10 آلاف ورقة نقدية، وكذلك مليوناً وخمسمائة ألف ريال من فئة الخمسمائة ريال أي ما يقارب 3 آلاف ورقة جديدة.
كما أضيفت ثلاثة ملايين ريال من فئة الألف ريال وهو ما يساوي 3 آلاف ورقة. وبهذا بلغ إجمالي ما جرى تحضيره أكثر من ثمانية وثلاثين مليون ريال، بينما المبلغ الذي خرج فعلياً اقتصر على ثلاثين مليون ريال فقط. أي إن ما تم إرساله فعلياً إلى الخارج بلغ 336 ألف ورقة نقدية جديدة، وهو رقم ضخم وغير مألوف لمثل هذه المناسبات.
مشاركة غريبة في معارض لهواة جمع العملات
المثير للجدل أن المشاركة جاءت في معارض دولية متخصصة بهونغ كونغ، هي Hong Kong Coin Show (HKCS) الذي انعقد بين الرابع والسادس من أبريل 2025، وHong Kong Coin & Watch Convention (HICC) الذي أقيم بين التاسع والثاني عشر من الشهر نفسه.
ووفق متابعة بقش، فإن هذه المعارض مخصصة بالدرجة الأولى لعرض العملات النادرة والتاريخية ذات القيمة التراثية والمقتنيات الفريدة، ولا تُعرف عنها المشاركة في عرض أوراق نقدية حديثة الطباعة بكميات كبيرة، ما يجعل إخراج ثلاثين مليون ريال يمني خطوة تثير أسئلة جوهرية حول الهدف الحقيقي من العملية.
وتشير المعلومات المتداولة إلى أن عملية الإخراج جاءت بناءً على طلب من المدير العام لجمعية هواة العملات والمسكوكات والطوابع، وهو شخصية معروفة بين المقتنين. غير أن السماح لهواة جمع العملات، مهما كانت صفاتهم الاعتبارية، بالتصرف بهذا الحجم من النقد العام يعد سابقة مثيرة للريبة.
فبدلاً من الاكتفاء بعينات رمزية تمثل الفئات النقدية المختلفة – وهو المتعارف عليه في مثل هذه المشاركات – جرى تجهيز كميات ضخمة من النقد الجديد لإرسالها إلى الخارج، وهو ما اعتبره مراقبون تصرفاً خارج السياق.
ردود رسمية غير مقنعة
الاتحاد المدني لمكافحة الفساد، الذي أصدر بلاغاً أمس الإثنين الموافق 01 سبتمبر 2025، أكد أنه تابع تفاصيل القضية وتواصل مباشرة مع المحافظ المساعد لقطاع الرقابة على البنوك، إلا أن الردود التي تلقاها لم تكن مقنعة. كما أوضح أنه وجّه رسالة رسمية إلى إدارة البنك المركزي منذ أكثر من شهر يطالب فيها بالتوضيح، لكن البنك لم يرد حتى الآن. وبحسب ما رصده بقش من البيان الصادر عن الاتحاد، فإن هذا الصمت الرسمي لا يزيد إلا من حجم الشكوك، ويجعل القضية بحاجة إلى شفافية كاملة أمام الرأي العام.
القضية تثير أسئلة مشروعة تتعلق بالتوقيت والجدوى. لماذا أُخرج هذا الكم الكبير من النقد الجديد إلى معارض مخصصة للهواة، بدلاً من الاكتفاء بعينات رمزية لتمثيل الفئات النقدية؟ وما الفائدة الفنية أو الاقتصادية من عرض ثلاثين مليون ريال حديث الطباعة في قاعات مخصصة لعرض العملات النادرة التي تعود لحقب تاريخية مختلفة؟ وهل كان من المسؤولية – في ظل الأزمة النقدية الراهنة التي يعاني منها الريال اليمني بسبب الطباعة المفرطة من دون غطاء حقيقي – التصرف بهذه الكمية الضخمة من النقد؟ هذه الأسئلة، التي يطرحها خبراء وباحثون، تبقى معلقة في ظل غياب الشفافية الرسمية.
ويعيش اليمن منذ سنوات أزمة ثقة عميقة بعملته الوطنية، نتيجة الطباعة المستمرة للأوراق النقدية الجديدة من دون غطاء نقدي أو إنتاجي كافٍ، الأمر الذي ساهم في تدهور قيمتها أمام العملات الأجنبية.
ومن هنا، فإن أي عملية إخراج لكميات ضخمة من النقد الجديد – وبخاصة لأغراض غير واضحة – قد تُفاقم هذه الأزمة وتضعف أكثر من ثقة المواطنين بالعملة الوطنية. إذ يرى خبراء أن مثل هذه الخطوات لا تنعكس على الاقتصاد إلا بمزيد من الضبابية والتشكيك.
وبحسب تقارير رسمية صادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن وتقارير دولية للبنك الدولي وصندوق النقد، فقد لجأ البنك خلال الفترة 2017–2019 إلى طباعة كميات ضخمة من العملة المحلية الجديدة في روسيا لتغطية عجز الموازنة وتمويل النفقات الجارية.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي ما طُبع خلال تلك الفترة تجاوز 1.7 تريليون ريال يمني، بينها ما يزيد عن 400 مليار ريال في عام 2017، وأكثر من 600 مليار ريال في عام 2018، بينما استمرت الطباعة بوتيرة مرتفعة خلال عام 2019. هذه الطباعة، التي تمت خارج سقف الغطاء النقدي والإنتاجي، كانت من الأسباب الرئيسية لفقدان الريال اليمني جزءاً كبيراً من قيمته وتفاقم أزمة السيولة النقدية وانقسام العملة بين صنعاء وعدن.
وتأتي فضيحة “معرض هونغ كونغ” بالتزامن مع فوضى متصاعدة يشهدها سوق الصرافة في عدن، حيث تتناوب المضاربات الحادة والقرارات المرتبكة للبنك المركزي وأخيراً إضراب جمعية الصرافين اليوم، على خلق بيئة غير مستقرة.
فبينما يسعى المركزي لإظهار تحسن شكلي في سعر الريال، يواصل المواطن مواجهة أسعار سلع لا تعكس أي انخفاض، فيما تستفيد شبكات صرافة نافذة من التذبذب الحاد لجمع العملة الصعبة وتحقيق أرباح سريعة.
الخبير الاقتصادي “سليم مبارك” اعتبر في تعليق لـ”بقش” أن الجمع بين طباعة العملة في السنوات الماضية وإخراج النقد الجديد للمشاركة في معارض خارجية “يعكس خللاً هيكلياً في إدارة السياسة النقدية”. وأوضح أن “غياب الشفافية في التعامل مع النقد الوطني في وقت تتصاعد فيه المضاربات بعدن، يجعل أي إصلاحات أخرى بلا قيمة حقيقية”.
وأضاف أن “الواقعة الأخيرة لا يمكن فصلها عن مشهد أوسع من الفوضى، حيث يُستخدم الريال كأداة في صراعات سياسية وكمصدر ربح لشبكات صرافة، بينما المواطن يدفع الثمن بارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية”.
إلى ذلك شدد الاتحاد المدني لمكافحة الفساد في ختام بيانه حول الموضوع على أن ما جرى يتطلب إيضاحاً عاجلاً من محافظ البنك المركزي في عدن حول طبيعة المشاركة وهوية الأطراف التي رتبت للعملية، كما طالب بنشر كافة الوثائق والمستندات المرتبطة بها للرأي العام التزاماً بمبدأ الشفافية وحق المواطنين في المعرفة.
وأكد الاتحاد أن “المال العام ليس مادة للعرض في قاعات المعارض، بل أمانة وطنية لا تحتمل التجميل ولا الغموض، وكل ريال يخرج بلا مبرر واضح يُخصم من ثقة الناس في مؤسسات الدولة قبل أن يُسجل في دفاتر المحاسبة”.