الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أوروبا تحت ضغط واشنطن: 250 مليار دولار سنوياً لشراء الطاقة الأمريكية

الاقتصاد العالمي | بقش

بحسب تقرير نشرته مجلة فوربس واطلع عليه وحلله مرصد بقش، تجنّب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حرباً تجارية في يوليو 2025 بعد توقيع اتفاق تجاري شامل تضمن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 15% على معظم الصادرات الأوروبية، مقابل رضوخ أوروبي وتعهد بشراء ما قيمته 250 مليار دولار سنوياً من الطاقة الأمريكية لثلاث سنوات متتالية.

لكن وراء هذا الرقم الضخم تكمن إشكالية واقعية تتمثل في “هل تستطيع أوروبا استبدال الغاز والنفط الروسيين القريبين والرخيصين، بواردات أمريكية تبعد آلاف الكيلومترات وتستنزف كلفة نقل وتأمين باهظة؟”.

وفق اطلاع بقش على بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بلغت قيمة صادرات الطاقة الأمريكية العالمية في 2024 نحو 318 مليار دولار فقط، ما يعني أن أوروبا مطالبة وحدها بابتلاع 78.6% من كامل صادرات الطاقة الأمريكية لتحقيق التعهد، بينما لم تتجاوز حصتها العام الماضي 76 مليار دولار (أي 24%).

ضغوط سياسية لا واقعية اقتصاديا

تمارس واشنطن ضغطاً هائلاً على أوروبا لوقف اعتمادها على الطاقة الروسية وفق متابعات بقش، رغم أن المسافة القصيرة وخطوط الأنابيب تجعل النفط والغاز الروسيين الأرخص والأكثر سهولة.

في المقابل، تتطلب الشحنات الأمريكية عبر المحيط الأطلسي كلفة أعلى بكثير، إضافة إلى منافسة شرسة مع الأسواق الآسيوية، خصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية، التي ضمنت تعاقدات طويلة الأجل مع شركات الغاز الأمريكية بشروط أفضل.

تُظهر بيانات يوروستات التي طالعها بقش أن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي استحوذ على 55% من سوق الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من 2025، لكنه لا يزال بعيداً عن مستوى يغطي كامل الاحتياجات. كما أن الشركات الأوروبية الخاصة، التي تتحكم بواردات النفط والغاز، ليست مجبرة قانوناً على الالتزام بتعهد سياسي أُبرم في بروكسل وواشنطن، ما يجعل التنفيذ الفعلي موضع شك كبير.

تناقضات أوروبية داخلية

الاتحاد الأوروبي أعلن رسمياً أنه سيفرض حظراً كاملاً على واردات الغاز الروسي بحلول 2027، لكن خبراء الطاقة يرون أن هذا الطموح قد يصطدم بالواقع الاقتصادي. تقرير ICIS للطاقة أشار مؤخراً إلى أن مخزونات الغاز الأوروبية بلغت 79% بنهاية أغسطس، ما وفر مرونة مؤقتة قبل الشتاء، لكن الاعتماد الكلي على واردات بعيدة المدى من الولايات المتحدة سيُعرض القارة لمخاطر الأسعار وتقلبات الإمدادات.

الأمر لا يتعلق فقط بالغاز؛ فحتى النفط الروسي، الذي يُهرّب في كثير من الأحيان عبر “الأسطول الظلي” بأسعار مخفضة، لا تزال شركات أوروبية تشتريه بشكل غير مباشر. محاولات واشنطن لفرض بديل أمريكي تواجه مقاومة من مصالح تجارية ترى أن كلفة التخلي عن الطاقة الروسية بالكامل غير مستدامة.

وتتضمن التعهدات الأوروبية أيضاً استثمارات محتملة في الطاقة النووية الأمريكية، حيث استوردت أوروبا في 2024 ما قيمته 70 مليار دولار من مكونات المفاعلات النووية وإمدادات الوقود. لكن حتى لو تم توجيه كل هذه التجارة إلى الولايات المتحدة، يبقى الرقم بعيداً جداً عن الـ250 مليار دولار سنوياً.

ويرى محللون أن أي خطة أوروبية لتحقيق التعهد ستتطلب استثمارات بمليارات الدولارات في محطات الغاز المسال والبنية التحتية النووية، وهو أمر غير واقعي في المدى القصير. وبالتالي، فإن التعهد يبدو أقرب إلى رسالة سياسية لواشنطن أكثر منه خطة اقتصادية قابلة للتنفيذ.

مستقبل غامض للتعهدات

بحسب تحليل بقش، فإن الإصرار الأمريكي على إعادة تشكيل خريطة الطاقة الأوروبية يأتي ضمن استراتيجية لتقويض النفوذ الروسي، لكنه في الوقت نفسه يضع أوروبا أمام معضلة اقتصادية: كيف توفّق بين التزاماتها السياسية تجاه واشنطن وحقائق السوق التي تفرض كلفة أعلى ومخاطر أكبر؟

في غياب “معجزة تجارية”، من غير المرجح أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من بلوغ هدف الـ250 مليار دولار، خصوصاً أن قطاع الطاقة في أوروبا يعتمد على مبادرات القطاع الخاص وعقود طويلة الأجل لا تستطيع الحكومات نقضها بسهولة. وهو ما يجعل التعهد، وفق خبراء، أداة ضغط سياسي أكثر من كونه اتفاقاً تجارياً واقعياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش