سوق الأسهم السعودية تسجل أسوأ أداء عالمي في 2025: من تَعثُّر المؤشر إلى أزمة السيولة

الاقتصاد العربي | تحليل | بقش
تحوّل سوق الأسهم السعودية في 2025 إلى أحد أضعف الأسواق أداءً عالمياً وفق تقديرات مصادر دولية مرجعية، مع هبوط المؤشر العام “تاسي” إلى قرب أدنى مستوياته في عامين خلال سبتمبر، وتراجعٍ لافت في نشاط التداول، وتحوّل عوائد الطروحات الأولية من طفرةٍ إلى فتور.
يتقاطع ذلك مع بيئة نفطية أكثر هشاشة، وأرباحٍ أضعف لعدد من الشركات القيادية، وضغطٍ من سياسات نقدية وتجارية عالمية غير مواتية. هذه القراءة تجمع الأرقام المُعلنة رسمياً وتقارير وكالات الأنباء والصحف الاقتصادية الكبرى لتفسير ما الذي يحدث؟ ولماذا الآن؟.
على المستوى اللحظي، سجّل المؤشر العام السعودي هبوطًا بنحو 0.9% في جلسة أمس الإثنين 08 سبتمبر 2025 وفق اطلاع بقش، مُلامساً أدنى مستوى في ما يقرب من عامين، بقيادة ضغوط على أسهم مصرفية وكبرى، بينها مصرف الراجحي وأرامكو السعودية. تعكس هذه الحركة اللحظية صورة أوسع لضعفٍ ممتدّ منذ مطلع العام.
وعلى المقياس التراكمي، وصفت فايننشال تايمز السوق السعودي بأنه من أضعف الأسواق أداءً عالمياً في 2025، مع انخفاضٍ يفوق 9% منذ بداية العام حتى أواخر يوليو – أغسطس، وتراجعٍ حاد في وهج الطروحات الأولية؛ إذ هبط متوسط عائد الشهر الأول للأسهم المُدرجة حديثاً إلى 4% فقط، مقارنةً بـ 27% في 2024، كما سجّل نشاط التداول تراجعاً انعكس على إيرادات “مجموعة تداول”.
لكن الصورة لا تكتمل دون الإحالة إلى أرقامٍ رسمية نصف سنوية: بنهاية النصف الأول 2025، أغلق مؤشر تاسي السعودي عند 11,163.96 نقطة، منخفضاً 4.41% عن الفترة المماثلة في 2024، فيما هبطت القيمة السوقية للأسهم إلى 9,126.04 مليار ريال، بانخفاض 9.25% على أساس سنوي.
كما تراجعت قيمة التداولات في النصف الأول إلى 688.09 مليار ريال، أي أقل بـ 32.76% مقارنةً بالنصف الأول 2024 — ما يوثّق انقباض السيولة المحلية.
الخسائر بالأرقام، تقلص السيولة ومؤشر مُثقَل بالهواجس
إذا قسنا الخسارة بوحدة الثقة أكثر من النقاط، فمؤشّر السوق يترجم خروج شريحة من المشترين لا سيّما الأفراد المحليين، وتحوّلهم إلى الانتظار أو البحث عن بدائل أقلّ تقلباً. وتاريخياً، كانت السيولة المحلية محرّكاً مهمّاً لسوق الرياض، ومع تراجعها، تتراجع القدرة على امتصاص الأخبار السلبية أو إعادة تسعير المخاطر بسرعة.
هذا “الانكماش في السيولة” ليس انطباعاً صحفياً، بل يتوافق مع تراجُع الإيرادات المرتبطة بالتداول لدى “مجموعة تداول” في مطلع 2025، ومعه انخفاض متوسط قيمة التداول اليومي بنحو الثلث على أساس سنوي بحسب تحليلات دولية. وبالرغم من أن المجموعة سجّلت في النصف الأول نتائج متباينة بين فصول السنة، فإن اتجاه النشاط أضعف ممّا كان عليه في 2024، حيث وثّقت تقارير صحفية هبوط إيرادات الربع الأول 2025 بنسبة 13% على أساس سنوي.
وعلى مستوى الجلسات، يُظهر مسار سبتمبر أن السوق بات يتفاعل بقوة مع إشارات السياسة النقدية الأمريكية، إذ ألغى المستثمرون بسرعة موجات تفاؤل مؤقتة باحتمالات خفض الفائدة، وأعادوا تسعير الأصول وفق سيناريو “خفضٍ محدود” لا يحرّر شهية المخاطرة في المدى القصير. هنا تلعب “عملة الربط بالدولار” دوراً كلاسيكياً في انتقال أثر السياسة النقدية الأمريكية إلى الخليج، بما فيه السعودية.
النفط: من رئة النمو إلى “عتبة ضغط” على الأرباح والتقييمات
لا يمكن فصل اقتصاد السوق السعودي عن النفط. وفي 2025، تزاوجت عوامل معاكسة في سوق الخام: توقّعات عرضٍ أعلى من أوبك+، وتغطية إعلامية دولية تَصِف ميولاً هابطة في الأسعار مع ضعف الطلب العالمي ومخاطر تجارية جديدة. في سبتمبر، تداول برنت قرب منتصف الستين دولاراً للبرميل، في أدنى من مستويات مطلع العام، ما كبَح هوامش قطاعات الطاقة والكيماويات وأعاد رسم منحنيات الربحية.
الأهم أن هذا الانعكاس النفطي ظهر صراحةً في النتائج المنشورة للشركات القيادية: أرامكو السعودية أفصحت في تقريرها النصفي (H1 2025) عن انخفاض الإيرادات نتيجة هبوط أسعار النفط وانخفاض أسعار المنتجات المكررة والبتروكيماويات مقارنةً بالفترة المماثلة من 2024، رغم ارتفاع أحجام المنتجات المكررة والمُباعة. كما تراجع صافي الربح للنصف الأول إلى 182.6 مليار ريال من 211.3 مليار ريال في النصف الأول 2024، وهبط متوسط سعر النفط المُحقق إلى 71.5 دولاراً/برميل مقابل 84.3 دولاراً/برميل قبل عام، هذه إشارات مباشرة إلى أن البيئة السعرية للنفط تضغط على ربحية القطاع حتى مع كفاءة التشغيل.
في مثل هذا السياق، يصبح تقييم السوق المضاعفات أكثر حساسيةً للصدمات؛ إذ تتسع فجوة التوقعات بين آمال المستثمرين في نموّ غير نفطي سريع، وبين حصيلة أرباحٍ فعلية تأتي أضعف من الخط الأساسي المُتضمن ضمنياً في الأسعار. لذا، تتحول كل إشارة هبوط في النفط إلى مُضاعِف سلبي على الأسهم الحسّاسة للدورات، وعلى شهية المخاطرة عموماً.
يُضاف إلى ذلك أن مسار النفط يتفاعل مع مشهدٍ جيوسياسي وتجاري مُربك: رسوم أمريكية مرتفعة على الواردات من دول عديدة، وتوقعات نموّ عالمي أدنى، ما يخفض توقعات الطلب على الوقود ويزيد من مرونة العرض العالمي — وكلها عوامل تُبقي منحنى الأسعار في نطاقٍ ضاغط على المدى المتوسط. وقد رصدت تقارير صحفية دولية هبوطاً حاداً للأسعار في أبريل مع موجة الرسوم الجمركية، بنحو 15% في خمسة أيام، وبفارق يقارب 30% عن مستويات العام السابق. مثل هذه التحركات تصنع موجات بيعٍ عريضة في أسواق المنطقة، ومنها الرياض.
وبينما تملك السعودية أدوات موازنة مالية واحتياطيات تمكّنها من امتصاص صدمات النفط أفضل من غيرها، فإن تسعير الأسهم يبقى عُرضةً لدوّامة (نفط أضعف = أرباح أقل = مضاعفات أضيق)، خاصة في شركات حسّاسة لسعر اللقيم أو انتشار الهوامش.
السيولة تتراجع… والطروحات تفقد بريقها
يؤكد مُحلّلون دوليون أن السوق السعودي في 2025 لا ينقصه المورِّدون المحتملون للطروحات بقدر ما ينقصه مستثمرون نشطون يدفعون عجلة التداول بعد الإدراج وفق قراءة بقش. فالمُحصلة أن متوسط عائد الشهر الأول للطروحات هبط إلى 4% فقط هذا العام، كثيرٌ منها بات يتداول دون سعر الطرح مقارنةً بطفرة 2024 ذات المتوسط 27%. هذه المعطيات تُضعِف شهية المستثمرين الأفراد، وتدفع المُصدِّرين إلى إعادة التفكير في توقيت وتسعير الطرح.
تَرافق هذا مع انخفاضٍ ملحوظ في متوسط قيمة التداول اليومي، ما ترجمته أيضاً إيراداتٌ أقلّ لـ “مجموعة تداول” في بدايات 2025، وفق بيانات الشركة وعروضها التقديمية. هذا التراجع في الدوران ينعكس على معامل الجاذبية للسوق: (أسهم أقلّ دوراناً = هوامش فروق سعريّة أكبر = تكلفة أعلى للدخول والخروج = طلب أقلّ على الأصول المخاطرة).
في الوقت نفسه، يسجّل تقرير النصف الأول لـ”تداول” الذي طالعه بقش تراجعاً بأكثر من 32% في قيمة التداول مقارنةً بعامٍ سابق، بما يعزّز فرضية “انكماش السيولة المحلية”. هذه الحلقة تُضعف أثر أي أخبار إيجابية موضعية (نتيجة فصلية لشركةٍ بعينها مثلاً)، لأن الزخم العام لا يساعد على إعادة تسعيرٍ سريع.
تبقى الإشارة إلى أن تراجع التداول لا يلغي كلياً الآلة الإصدارية: فما زال خطّ الطروحات نشطاً، والسوق المحلي الأكثر نشاطاً في المنطقة من حيث مبالغ الطرح في 2025، لكن جودة الطلب اختلفت؛ المستثمر المؤسسي أكثر انتقائية، والمستثمر الفرد تراجع حضوره النسبي حيث لا يرى قفزات الأيام الأولى كما اعتاد.
عوامل خارجية تُثقل الكفّة: فائدةٌ مقيدة ورسومٌ أمريكية، ونفطٌ أضعف
أظهرت جلسات سبتمبر أن موجات التفاؤل بخفضٍ كبير للفائدة الأمريكية تتبدّد سريعاً، وأن خفضاً محدوداً – إن حدث – قد لا يحرّر شهية المخاطرة بالقدر الكافي. وبما أن الريال السعودي مُرتبط بالدولار، فإن دورة التشديد والتخفيف الأمريكية تُترجم فوراً إلى تكلفة التمويل محلياً، فتؤثر على تسعير البنوك وحساسية التقييمات للأسهم ذات توزيعات مستقبلية. رصدت رويترز صراحةً هذا الأثر في هبوط مؤشرات الخليج مع تبدّد التفاؤل، والسعودي في المقدمة.
إلى ذلك، لعبت الرسوم الأمريكية الجديدة دوراً في تعميق قلق المستثمرين بشأن التجارة العالمية والنمو، وهو ما انعكس على أسعار النفط وأسواق المنطقة في أبريل بهبوطٍ حاد لبرنت خلال أيام معدودة، وبفارقٍ كبير عن مستويات العام السابق، كما وثّقت أسوشييتد برس.
ومع اقتراب 2026، تنبّه تقديرات السوق التي يجمعها بقش إلى أن انفكاك قيود “أوبك+” وارتفاع الإمداد المحتمل قد يُبقي منحنى النفط مائلاً للهبوط إذا لم يتسارع الطلب العالمي بما يكفي، وهي إشارة تكررت في نقاشات مؤتمر APPEC بسنغافورة في سبتمبر.
هل التراجع ظرفي أم بنيوي؟
تذهب فايننشال تايمز إلى أن تعثّر السوق السعودي هذا العام أثار شكوكاً حول مسار التنويع، لا بمعنى إنكار رؤية التحول الاقتصادي، بل لأن هيكل التمويل والإصدارات الدَّيْنية وحساسية الإيرادات النفطية تُلقي بأسئلة على قدرة السوق على تسعير النمو بسلاسة عندما تهدأ أسعار الخام وتتشدد الأوضاع العالمية. هذه ليست إدانة للمسار، لكنها دعوة لضبط التوقعات بين سرعة المشاريع وإيقاع الربحية.
في المقابل، تُظهر البيانات السيادية أن المملكة لا تزال تملك أدوات توازن مالي، وقطاعاً مصرفياً متيناً، ومشاريع بنية تحتية واستثمارات قادرة على تحفيز الطلب الكامن. لكن قناة السوق – أي الأسهم – تحتاج تثبيت ركائز: سيولة أعمق، دور مؤسسي أكبر، هوامش أرباح أوضح خارج النفط، وزخم اكتتابات يُعيد دورة (الثقة – السيولة – التسعير) إلى وضعٍ صحي.
وتاريخياً، لا تسير أسواق الأسهم بخطٍّ واحد. غالباً ما تتبع دوراتٍ يتداخل فيها النفطي والنقدي والربحي. في 2025، توافرت رياح معاكسة في العناصر الثلاثة معاً؛ لهذا بدا التراجع واسعاً وممتداً. لكن هذا لا يمنع حدوث ارتدادات تكتيكية عند أي مفاجآت إيجابية في النفط أو الأرباح أو السياسات.
ما يحدث في الرياض عام 2025 هو تَلاقٍ غير مواتٍ لعواملٍ خارجية (نفط، فائدة، تجارة)، جعل السوق يُسعّر الحذر بدلاً من النموّ. ليس في هذا ادّعاء أن قصة السعودية انتهت؛ بل إن إعادة توجيه البوصلة تحتاج إلى ثلاث إشارات حاسمة: نفطٌ أكثر استقراراً فوق مستويات تدعم الهوامش، تعافي تداولٍ يضخّ زخماً في الشاشة، ونتائج فصلية تُثبت أن محرك النمو غير النفطي قادر على تعويض دورات السلع. حتى ذلك الوقت، سيبقى التقييم مشروطاً، والزخم متقلباً، والعناوين بين الحين والآخر أكثر قسوة مما يرغب المستثمر أن يقرأه.