
الاقتصاد اليمني | بقش
أصدرت نقابة الصرافين الجنوبيين بياناً وجهته إلى الجهات المعنية بحماية مصالح المواطنين والنظام المصرفي، اتهمت فيه إدارة بنك عدن المركزي، ممثلةً بمحافظ البنك أحمد المعبقي ووكيل قطاع الرقابة على البنوك منصور راجح، بارتكاب ما وصفته بـ”ممارسات وتجاوزات خطيرة” مستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، أسفرت عن إضعاف البنك المركزي داخلياً وخارجياً، وألحقت أضراراً مباشرة بالمواطنين والقطاع المصرفي.
أكدت النقابة في بيانها الذي حصل بقش على نسخة منه، أن قيادة بنك عدن المركزي لم تلتزم بمسؤولياتها الدستورية والقانونية في حماية العملة الوطنية واستقرار السوق، حيث قامت بإدارة مزادات بيع العملة الأجنبية بطرق غير شفافة، وبأسعار يحددها المضاربون أنفسهم بعيداً عن أي ضوابط قانونية أو مصرفية متعارف عليها، الأمر الذي عزز نفوذ قلة من المضاربين على حساب المصلحة العامة.
أشارت النقابة إلى أن ذلك أدى إلى انهيار الريال اليمني من 200 ريال مقابل الريال السعودي إلى 770 ريالاً يمنياً منذ تعيين أحمد المعبقي محافظاً للبنك المركزي بعدن (في ديسمبر 2021).
ووفق قراءة بقش، اتهم البيان إدارة البنك بمنح تراخيص للبنوك وشركات الصرافة بشكل عشوائي، والسماح لشركات الصرافة بممارسة أنشطة مصرفية تخص البنوك، والعكس. كما أشار إلى فتح فروع مفرطة لمؤسسات ذات نفوذ في كل شارع ومدينة، وهو ما أفقد البنك السيطرة على الكتلة النقدية وأدى إلى تبديد العرض النقدي للعملات الأجنبية وإضعاف أدوات البنك المركزي.
المضاربة الكارثية بسبب البنك.. والصرافون “كبش فداء”
أوضحت النقابة أن السوق شهد في شهري مايو وأغسطس 2025، وتحديداً في 30 و31 أغسطس، عمليات مضاربة منظمة أدت إلى سحب مدخرات المواطنين قسراً إلى خزائن البنك المركزي، وترك الصرافين في مواجهة الشارع وتحميلهم المسؤولية.
ولعب “كاك بنك” دوراً محورياً في هذه العمليات، حيث باع 100 مليون ريال سعودي بسعر 765 ريالاً لتجار وشركات صرافة، بالتنسيق مع المعبقي وراجح، مما أدى إلى اختلالات في أسعار السلع نتيجة النزول العشوائي، والفروقات التي بلغت نحو 40 مليار ريال يمني كان يفترض أن تذهب لدعم مرتبات الجيش والمعلمين.
كما اتهمت النقابة قيادة البنك بترك السوق المصرفي لأكثر من 36 ساعة دون أي رقابة أو تدخل، ما سمح بنهب مدخرات المواطنين والتلاعب الواسع بالأسعار، كما أشارت إلى عدم فتح تحقيق جدي مع المزورين لوثائق البنك أو الجهات الإعلامية التي روجت لمعلومات مضللة في 31 أغسطس 2025.
وخالف بنك عدن المركزي قانون تنظيم أعمال الصرافة رقم (20) لسنة 1995 وتعديلاته، عبر فرض ضمانات ورسوم ورؤوس أموال مبالغ فيها على شركات الصرافة، وقام بجمع أكثر من 120 مليار ريال يمني كضمانات دون استناد قانوني، ولم تُستخدم هذه الأموال في الأغراض المعلنة كصرف المرتبات أو استقرار العملة، بل تحولت إلى عبء إضافي على البنك دون أثر إيجابي.
انتقدت النقابة أيضاً غياب أي قرارات من المعبقي وراجح ضد المتسببين في المضاربة الأخيرة، وذلك “لأن اللاعب الكبير ضمن فريق إدارة بنك مركزي عدن، وفي حالة أرادوا معاقبة أحد، سوف يصدرون عدة توقيفات وإغلاقات لعدة صرافات لا توجد لديها أي نفوذ، ككبش فداء أمام الرأي العام”.
مطالب النقابة
النقابة طالبت بفتح تحقيق عاجل وشامل مع محافظ البنك أحمد المعبقي ووكيل الرقابة منصور راجح، وبتدخل مباشر من “البنك الدولي” ومجلس التعاون الخليجي لإنقاذ ما تبقى من مؤسسات البنك المركزي بعدن.
وطالبت بدعم البنك المركزي بكوادر وطنية مستقلة وكفؤة ونزيهة، قبل أي دعم مالي جديد، مؤكدةً أن ما يجري “لم يعد مجرد قصور إداري، بل يمثل تهديداً مباشراً للأمن الاقتصادي والاجتماعي، ويستوجب تدخلاً عاجلاً لإنصاف المتضررين وصون سمعة اليمن المالية أمام شركائها الدوليين”.
هذا البيان يأتي وسط أزمة خانقة يشهدها السوق المصرفي في عدن والمحافظات المجاورة، حيث تواصل العملة المحلية انهيارها رغم مزادات البنك المركزي التي عقدها بغرض تنظيم السوق وكبح انهيار العملة المحلية، لكنها لم تجد نفعاً أمام تقلبات السوق وغياب الشفافية، كما شهدت تراجعاً كبيراً في الإقبال عليها.
وخسر المواطنون مدخراتهم من العملة الصعبة خلال يومي المضاربة 30 و31 أغسطس، حيث شهد السوق مضاربات عكسية وإنزال سعر الصرف بشكل مفتعل ووهمي، ثم سيطرة بنك عدن المركزي على كتلة هائلة من النقد المحلي، دون أن يتمكن المواطنون من استرجاع الفوارق (الخسائر).
وفي الوقت الراهن يشهد السوق أزمة سيولة محلية خانقة غير مسبوقة، إذ شح توافر الريال اليمني (العملة الجديدة “القعيطي”) عملة صعبة لأول مرة، وتوقفت شركات الصرافة عن شراء الريال السعودي والدولار الأمريكي من المواطنين نظراً لشح السيولة، وجاء ذلك بعد أيام من أزمة المضاربة العكسية التي حدثت نهاية أغسطس.
وحسب معلومات حصل عليها مرصد بقش، فإن فائض السيولة من العملات الأجنبية في السوق، إلى جانب تراجع المعروض النقدي المحلي، دفع شركات الصرافة لأول مرة إلى تفضيل دفع الحوالات المالية بالعملات الأجنبية كما هي دون تحويلها إلى الريال اليمني.
وتسببت أزمة السيولة المحلية في تأخير صرف الرواتب الحكومية وانخفاض حجم الإنفاق الرسمي، مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، في حين تتكدس النقود عند قلة من الفاعلين الاقتصاديين بدلاً من أن تتحرك بحُرية في السوق. وبنفس الوقت، تحدث مصدر في البنك المركزي بعدن لموقع المشاهد عن أن تأخر صرف المرتبات مرتبط بتفعيل الأوعية الإيرادية للمؤسسات العامة وتوريدها إلى المركزي.
ويواجه بنك عدن المركزي تحديات إدارية ومالية كبيرة في سبيل فرض سلطاته النقدية كوعاء إيرادي على معظم مناطق الحكومة، إذ أكد البنك في تقاريره الشهرية للتطورات النقدية التي كان آخرها تقرير يونيو 2025، أن جميع فروعه غير مرتبطة بمركزه الرئيسي في عدن، باستثناء فرعيه في تعز والمكلا، بينما تزداد تساؤلات المواطنين عن مآلات هذه الأزمة النقدية والمخاوف من تفاقمها دون إحداث تغييرات فعلية تجعل من تحسن الصرف الأخير واقعاً ملموساً بشكل تام دون افتعال أزمات ومعوقات.