النفط تحت المقصلة: فائض المعروض وأرامكو تقود استعدادات الشركات الكبرى لمرحلة الأسعار المنخفضة

تقارير | بقش
تشهد أسواق النفط العالمية مرحلة دقيقة يختلط فيها ارتفاع المعروض بتباطؤ الاستهلاك، ما يضع الأسعار تحت ضغط متواصل ويدفع كبريات الشركات النفطية إلى الاستعداد لفترة قد تطول من الأرباح المنخفضة.
ووفق تقرير لوكالة الطاقة الدولية اطّلع عليه مرصد بقش، فإن المعروض العالمي في طريقه للزيادة بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً خلال عام 2025، وذلك مع ارتفاع إنتاج دول تحالف “أوبك+”، إضافة إلى نمو الإمدادات من خارج التحالف، ولا سيما من الولايات المتحدة والبرازيل وكندا وغويانا.
قرار تحالف “أوبك+” بالمضي قدماً في زيادة الإنتاج ابتداءً من أكتوبر يعزز هذه التوقعات. فالتحالف رفع إنتاجه في الأشهر الماضية بمقدار يقارب مليونين ونصف المليون برميل يومياً منذ أبريل، ويستعد لإضافة نحو مئة وسبعة وثلاثين ألف برميل يومياً في الشهر المقبل.
وتشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن هذا النهج سيؤدي إلى تراكم مخزونات بمعدل مليونين ونصف المليون برميل يومياً خلال النصف الثاني من العام الجاري، وقد يرتفع المعدل إلى ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف برميل يومياً في عام 2026 إذا لم يتغير مسار العرض والطلب.
الشركات تواجه التحدي والسعودية ترفع صادراتها
شركات النفط العالمية الكبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون وشل وتوتال بدأت بالفعل في تكييف استراتيجياتها مع واقع الأسعار المنخفضة. تقارير مالية حديثة أظهرت أن هذه الشركات أعادت توجيه استثماراتها نحو مشاريع ذات تكلفة إنتاج منخفضة، وأرجأت أو ألغت مشاريع تحتاج إلى إنفاق ضخم أو تحمل مخاطر عالية. كما لجأت بعض الشركات إلى خفض التكاليف التشغيلية وتسريح العمالة، في محاولة لتقليل الأعباء إذا استمرت الأسعار دون مستوى السبعين دولاراً للبرميل لفترة طويلة.
في هذا المشهد العالمي المعقد، تتحرك السعودية لتعزيز صادراتها مع تراجع الطلب المحلي بعد انتهاء ذروة الصيف. ووفق بيانات تتبَّعها بقش صادرة عن شركة كبلر، فإن الكميات المتاحة للتصدير سترتفع في سبتمبر بحوالي نصف مليون برميل يومياً مقارنة بشهر أغسطس.
ويأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع الحصة الإنتاجية للمملكة ضمن تحالف “أوبك+”، وقيام شركة أرامكو بخفض أسعار بعض أنواع الخام لعملائها في آسيا بهدف دعم المبيعات واستعادة الحصة السوقية.
هذا التوجه يعكس استراتيجية سعودية تقوم على حماية موقعها كمورد رئيسي للأسواق العالمية حتى في حال استمرار الأسعار بالانخفاض. ومع أن ذلك قد يعني تراجعاً في العائدات على المدى القصير، إلا أنه يمنح المملكة فرصة للحفاظ على زبائنها الرئيسيين وتعزيز حضورها في الأسواق الآسيوية المتعطشة للطاقة.
الأسعار تحت الضغط
في ظل هذه التطورات، واصلت أسعار النفط تراجعها لتستقر عقود خام برنت حول سبعة وستين دولاراً للبرميل، أي بانخفاض يقارب عشرة في المئة منذ بداية العام. التوقعات لا تبدو مشجعة، إذ يرجح خبراء البنوك العالمية أن يتراجع السعر إلى اثنين وستين دولاراً للبرميل بنهاية 2025، فيما يتوقع آخرون أن يهبط إلى أوائل الخمسينات خلال العام المقبل. أما وكالة الطاقة الدولية فتتحدث عن احتمال فائض قياسي في عام 2026 إذا استمر المعروض في الصعود دون أن يقابله نمو كافٍ في الطلب.
على الجانب الآخر، ترى السعودية أن العالم لا يزال بحاجة إلى نفطها، خصوصاً في آسيا. الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر صرّح في أغسطس أن الطلب سيرتفع بمقدار مليوني برميل يومياً في النصف الثاني من العام الجاري مقارنة بالنصف الأول.
كما أن المشاريع الاستراتيجية مثل حقل الجافورة للغاز ستتيح للمملكة تخفيف اعتمادها على النفط في توليد الكهرباء، ما يحرر كميات إضافية للتصدير. وتشير تقديرات شركة ريستاد إنرجي إلى أن المشروع سيعوض خمسة وثلاثين ألف برميل يومياً من استهلاك النفط الخام فور دخوله مرحلة الإنتاج الأولية، على أن يصل إلى ثلاثمئة وخمسين ألف برميل يومياً عند بلوغ طاقته الكاملة في عام 2030.
المشهد النفطي العالمي يبدو وكأنه يسير نحو توازن جديد عنوانه “الأسعار المنخفضة لفترة طويلة”. الشركات الكبرى تستعد لتقليص نفقاتها، والمملكة العربية السعودية تتحرك لحماية حصتها السوقية، فيما تراقب الأسواق بتوجس تزايد المخزونات واحتمال وصولها إلى مستويات قياسية خلال العامين المقبلين.
تقارير وكالات الأنباء الدولية، حسب قراءة بقش، تفيد بأن النفط يعيش لحظة فارقة قد تحدد ملامح السوق لعقد كامل قادم: وفرة في المعروض، تشكيك في قوة الطلب، وأسعار تراوح بين الخمسينات والستينات. وبينما تستعد الشركات الكبرى لتقليص طموحاتها الاستثمارية، تراهن السعودية على قدرتها على البقاء لاعباً محورياً حتى في زمن الأسعار المنخفضة، مستندة إلى قدراتها الإنتاجية الضخمة ومشاريعها الاستراتيجية التي تعزز مناعة اقتصادها أمام تقلبات السوق.