
الاقتصاد العالمي | بقش
تثير العلاقات التجارية المتوترة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي مخاوف كبرى في الداخل الإسرائيلي، مع تلويح بروكسل بفرض عقوبات جديدة قد تشمل تجميد جزء من اتفاقية الشراكة الموقّعة عام 2000، وهو إجراء قد يكلف تل أبيب ثمناً باهظاً وفقاً لصحيفة لو فيغارو الفرنسية.
وفق متابعات بقش، قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مقترحاً في العاشر من سبتمبر الجاري، أمام البرلمان الأوروبي، شمل فرض عقوبات على الوزراء المتطرفين والمستوطنين “العنيفين” الإسرائيليين، إضافة إلى تعليق جزئي لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
الصحيفة الفرنسية علقت بأنه رغم أن إلغاء الاتفاقية الموقعة منذ 25 عاماً بين الدول الـ27 وإسرائيل يبدو بعيد المنال، إلا أن إعادة النظر في الجانب التجاري منها لن يكون بلا تداعيات على إسرائيل، مشيرة إلى أن تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، تشهد مستوى عالياً من التكامل الاقتصادي.
لماذا الخطر على إسرائيل؟
العلاقة بين الطرفين ليست مجرد تبادل سلع سطحي، فهناك تكامل صناعي وخطوط إمداد وخدمات عالية القيمة، من تكنولوجيا وأدوية وطيران وخدمات مهنية، وهو ما يجعل من القرارات التجارية أمراً ذا آثار متعددة وقاسية على إسرائيل.
بحسب بيانات جمعها بقش من هيئة الإحصاء الأوروبية “يوروستات”، فقد بلغت قيمة هذه التجارة في 2024 نحو 42.6 مليار يورو، وهو رقم يفوق بكثير تجارة إسرائيل مع الولايات المتحدة التي بلغت 31.6 مليار يورو، لذا فإن الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الأول لإسرائيل بفارق كبير، في حين تحتل إسرائيل المرتبة 31 فقط بين شركاء الاتحاد الأوروبي، وهو فارق يعكس بشكل أساسي حجم الاقتصادين المختلفين.
وتمثل التجارة مع الاتحاد الأوروبي نحو ثلث الصادرات والواردات الإسرائيلية، في حين لم تشكل إسرائيل سوى 0.8 % من إجمالي التجارة الأوروبية في 2024. ومع ذلك، تظل إسرائيل ثالث أكبر شريك تجاري لبروكسل في منطقة البحر المتوسط.
وفي 2024، بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من إسرائيل 15.9 مليار يورو، منها 44% آلات ومعدات نقل، و18% منتجات كيميائية، و12% منتجات صناعية أخرى، أما الصادرات الأوروبية إلى إسرائيل فبلغت 26.7 مليار يورو، بنفس الترتيب: 43% آلات ومعدات نقل، و18% منتجات كيميائية، و12% سلع مصنعة أخرى.
وتعتمد هذه التجارة منذ عام 2000 على اتفاقية شراكة أسست منطقة تجارة حرة واسعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وألغت معظم الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية ووفرت تفضيلات على بعض المنتجات الزراعية، ولاحقاً أُضيفت اتفاقيات توسعية، مثل: اتفاقية زراعية موسعة في 2010، واتفاقية خاصة بالمنتجات الدوائية في 2012 لتعزيز الاعتراف المتبادل بالشهادات والوصول إلى الأسواق، واتفاقية “السماء المفتوحة” في 2018 لتحرير خطوط الطيران بين إسرائيل والقارة الأوروبية.
ووسط الأزمة الراهنة بخصوص الإبادة في قطاع غزة، فإن الإجراءات الأوروبية قد تترتب عليها تكاليف اقتصادية ملموسة على قطاعات إٍسرائيلية معيّنة، لكنها ستواجه أيضاً عقبات سياسية داخل الاتحاد وقد تترك آثاراً متبادلة على سلاسل الإمداد والاستثمارات والعلاقات الدبلوماسية.
واتفاقية الشراكة تحوي بنداً يجعل “احترام حقوق الإنسان والديمقراطية” عنصراً أساسياً، مراجعة هذا الالتزام والتوصّل لتعليق جزئي يسير عبر آليات مؤسسية أوروبية.
وحسب تحليلات بقش، فإنه يمكن عملياً استهداف إعفاءات جمركية وتفضيلات لبعض السلع أو إيقاف تعاونات اقتصادية محددة، من تمويلات وبرامج بحثية وامتيازات وصول للأسواق.
وهناك قطاعات إسرائيلية تُعد هي الأكثر عرضة للخسارة، منها الآلات ومعدات النقل والكيماويات والصناعات التحويلية، إذ تمثل النسبة الأكبر من صادرات إسرائيل للاتحاد، إضافة إلى الزراعة والتصدير الطازج، والخدمات المتقدمة والشراكات التقنية، فالشركات الأوروبية والإسرائيلية العاملة في سلاسل تكنولوجية مشتركة قد تعيد تقييم الاستثمارات المشتركة إذا تزايدت المخاطر الجيوسياسية والالتزامات القانونية.
بالنتيجة يبدو أن الاتحاد الأوروبي يملك أدوات تأثير حقيقية على الاقتصاد الإسرائيلي، رغم أنه مكبل أيضاً بتوازنات سياسية داخلية واعتبارات اقتصادية متبادلة، فتعليق أجزاء من اتفاقية الشراكة أو فرض قيود تجارية مستهدفة سيكلف إسرائيل اقتصادياً، لكن أثره النهائي يعتمد على مدى وحدة الموقف الأوروبي.