
تقارير | بقش
امتدت آثار الفيضانات في باكستان إلى بنية الاقتصاد الحقيقي، فمنذ 26 يونيو الماضي حتى مطلع سبتمبر الجاري، وصلت الفاتورة المالية الإجمالية للكارثة إلى قرابة 1.4 مليار دولار، منها 1 مليار دولار في الزراعة وحدها، ما يعادل نحو ثلث نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وشملت الأضرار البنيوية 674.6 كيلومتراً من الطرق و239 جسراً، وتضرر 8481 منزلاً (منها 2216 مهدماً كلياً و6265 متضرّراً جزئياً)، فضلاً عن 972 حالة وفاة و1062 إصابة، ونفوق 6509 من رؤوس الماشية.
وأبقى البنك المركزي الباكستاني اليوم الإثنين سعر الفائدة الرئيسي عند 11%، مسجلاً الاجتماع الثالث على التوالي دون تغيير حيث يواصل وقف دورة التيسير النقدي وفق متابعات بقش، ويعكس هذا القرار الموازنة الدقيقة التي يقوم بها صانعو السياسات بين إدارة مخاطر التضخم الناجمة عن المحاصيل المتضررة من الفيضانات ودعم التعافي الاقتصادي الهش للبلاد.
وتعاني باكستان من ضائقة مالية وأزمة اقتصادية حادة دفعتها إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي، والدخول في برنامج تقشفي مع الدائنين من بين شروطه خفض الدعم وزيادة أسعار الوقود.
وبينما تفاقمت خسائر الفيضانات المدمّرة، قال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي، أمس الأحد، إنّ بعثة المراجعة القادمة لبرنامج (تسهيل الصندوق الممدّد) ستقيّم ما إذا كانت السياسات المالية ومخصصات الطوارئ في باكستان قادرة على معالجة الأزمة على نحو فعال.
وكان مجلس إدارة صندوق النقد قد وافق على قرض جديد بقيمة 1.4 مليار دولار في مايو لمساعدة باكستان على تعزيز قدرتها الاقتصادية على الصمود في مواجهة الأزمات المتعلقة بالمناخ والكوارث الطبيعية.
أزمة اقتصادية ومالية خانقة
تتمثل الأزمة المالية الخانقة في باكستان في إنهاء السنة المالية 2025 بعجز كلي يقارب 5.4% من الناتج مقابل فائض أولي نحو 2.4%، في حين تلتهم خدمة الدين في موازنة 2026 نحو 29 مليار دولار (46.7% من الإنفاق الاتحادي).
وقفز دين الحكومة إلى قرابة 275 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، وسجل الحساب الجاري فائضاً سنوياً بنحو 2.11 مليار دولار في السنة المالية 2025 قبل أن يعود إلى عجز 254 مليون دولار في يوليو الماضي، مع احتياطيات نقد أجنبي تقارب 14.34 مليار دولار، و38.3 مليار دولار تحويلات العاملين في الخارج.
ومن أشكال التأثيرات الصادمة الناجمة عن الفيضانات، ارتفاع أسعار الأرز البسمتي (بوصفه المؤشر الأسرع لالتقاط الصدمة) بنحو 5% خلال أسبوع واحد حسب اطلاع بقش، وتشير تقارير إلى أن سعر الطن ارتفع بنحو 50 دولاراً في 08 سبتمبر الجاري، وسط تصاعد المخاوف من انخفاض المحصول وتباطؤ تصريف المياه، مع تقديرات بخسارة قد تصل إلى 20% من محصول البلاد إذا ثبت التلف عند الحصاد.
وتقول رويترز إن المصدرين قد يخسرون جزءاً من الكميات أو يعيدون جدولة الشحنات، ما يبقي ميزان السلع الغذائية حساساً لمسار الأمطار وتصريف المياه في الأسابيع المقبلة.
وهذا الارتفاع في سلعة لها وزن كبير في سلة الغذاء المحلية، وفي صادرات الحبوب، أن مكون الغذاء قد يدفع التضخم فوق مساره الأساسي لفصل أو فصلين، وأن أيّ اتساع إضافي في فجوة العرض سيرفع كلف المعيشة على الأسر ويضغط على هوامش الإنفاق، ويزيد الحاجة إلى تدخلات مدروسة في إدارة السوق.
وقال ماهر بينيسي، الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في باكستان أمس الأحد: “ستقيم البعثة ما إذا كانت ميزانية السنة المالية 2026 ومخصصات الإنفاق والطوارئ فيها لا تزال مرنة بما يكفي لتلبية احتياجات الإنفاق التي استلزمتها الفيضانات”.
كارثة زراعية
يقدر حجم اقتصاد باكستان الاسمي بنحو 373 مليار دولار في 2024، فيما تباطأ التضخم العام إلى 3% في أغسطس بعد 4.1% في يوليو.
وضرب الفيضان الاقتصاد الباكستاني عبر ثلاث قنوات سريعة الرصد، أولاً تعطل الإنتاج الزراعي وانخفاض الغلة في محاصيل أساسية مثل الأرز والقطن والقمح، وثانياً اختناقات النقل واللوجستيات نتيجة تضرر الطرق والقناطر وتأخر الشحنات، وثالثاً ضغط الأسعار في سلة الغذاء ومدخلات الصناعة.
بالنتيجة ينعكس ذلك بشكل مباشر على معيشة الأسر التي تتكبد تكاليف أعلى، وتؤدي إلى هوامش أرباح أضيق للمنتجين، واحتياجات إنفاق إضافية على صيانة البنية الأساسية، وآثار تراكمية على الميزان التجاري إذا تراجعت الصادرات وارتفعت واردات الغذاء والمدخلات، ويُذكر أن فيضانات 2022 بلغت أضرارها نحو 14.9 مليار دولار والخسائر الاقتصادية نحو 15.2 مليار دولار بإجمالي يقارب 30.1 مليار دولار، مع احتياجات إعادة إعمار تتجاوز 16.3 مليار دولار.