تصعيد شعبي ورسمي متواصل في إسبانيا.. مدريد تلغي صفقة ثالثة لشراء أسلحة من إسرائيل

تقارير | بقش
أعلنت إسبانيا عن إلغاء صفقة جديدة مع إسرائيل بقيمة 207 ملايين يورو (قرابة 241 مليون دولار) لشراء حاويات متقدمة للتوجيه والهجوم (بودز) لطائرات يوروفايتر تايفون، من إنتاج الشركة الحكومية الإسرائيلية “رافائيل”، وهي خطوة تأتي استكمالاً لسلسلة من الإلغاءات التي طالت عقود تسليح بمئات الملايين من اليوروهات، ما يشير إلى تحوّل جذري في السياسة الإسبانية تجاه تل أبيب، وسط استمرار حرب الإبادة على غزة وتصاعد الضغوط الشعبية والدولية على إسرائيل.
في تفاصيل الصفقة الملغاة التي اطلع عليها بقش، كانت هذه الصفقة وُقّعت في 2024، وتشمل تزويد إسبانيا بـ45 بوداً متقدماً من طراز “لايتنينغ V”، وهذه الأنظمة مزودة بحساسات إلكترونية بصرية، ومحدد ليزري، وحساسات بالأشعة تحت الحمراء، وتسمح بتوجيه الطيار للتعرف على الأهداف والهجوم في مختلف الظروف الجوية ليلاً ونهاراً.
والنسخة الجديدة التي طلبتها إسبانيا تضمنت راداراً مكوناً صناعياً يتيح مسحاً وتصويراً ورسم خرائط بدقة عالية وفق اطلاع بقش على صحيفة هآرتس العبرية.
هذا الإلغاء لا يقتصر على خسارة تجارية لإسرائيل، بل يمثل ضربة مباشرة لسمعة صناعاتها العسكرية التي كانت تراهن على السوق الأوروبية لتعويض التوترات مع أسواق أخرى.
ويأتي ذلك في إطار موقف شعبي إسباني رافض لاستمرار الإبادة، والأسبوع الماضي أوقف إسبانيون المرحلة الأخيرة من سباق “لا فويلتا” الإسباني (وهو من أكبر سباقات الدراجات في العالم) تضامناً مع غزة، وهو ما أشاد به رئيس الوزراء الإسباني معبراً عن “إعجابه العميق” بالمحتجين المؤيدين لفلسطين، وداعياً إلى استبعاد إسرائيل من المشاركة في المنافسات الرياضية الدولية “ما دامت الهمجية مستمرة” في غزة، على غرار العقوبات التي فرضت على الفرق الرياضية الروسية بعد الحرب الأوكرانية.
قانون الحظر الإسباني وإلغاء الصفقات
دخل قانون الحظر على إسرائيل حيز التنفيذ هذا الشهر بعد إعلانه من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ويشمل القانون منع تصدير أو استيراد الأسلحة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج من وإلى إسرائيل ومنع مرور المعدات العسكرية عبر الأراضي والموانئ الإسبانية، وحظر مرور الوقود القابل للاستخدام العسكري عبر الموانئ الإسبانية، وكذلك منع استيراد منتجات المستوطنات ومنع الإعلان عنها.
ورغم صرامة القانون إلا أنه يتيح للحكومة إمكانية تجاوز بعض بنوده في حال مساسها بـ”المصالح الوطنية العامة”، ما يمنح مدريد هامش مناورة محدوداً في إدارة علاقاتها الدولية.
والصفقة الأخيرة ليست سوى حلقة ضمن سلسلة متصاعدة، فقد أُلغيت صفقة مدفعية بقيمة 700 مليون يورو لشراء صواريخ PULS (أو SILAM وفق التسمية الإسبانية)، والتي وُقعت في أكتوبر 2023 بالتعاون بين شركة “إلبيت” الإسرائيلية وشركات إسبانية محلية، تم إلغاؤها الأسبوع الماضي.
وهناك صفقة صواريخ “سبايك” من إنتاج “رافائيل”، بقيمة 237 مليون يورو، أُلغيت كذلك، كما أُلغيت صفقة ذخيرة صغيرة في أبريل الماضي بقيمة 6.6 ملايين يورو لشراء رصاصات 9 ملم من إنتاج “تاعش” وفق متابعات بقش، وبشكل إجمالي خسرت إسرائيل خلال عام واحد عقوداً مع إسبانيا بالمليارات، وهو ما يعكس تصعيداً غير مسبوق في العلاقة.
وثمة أبعاد اقتصادية لهذا الملف، فإسرائيل ستخسر ليس فقط قيمة العقود المباشرة، بل أيضاً ثقة الأسواق الأوروبية بقدرتها على توفير شراكات مستقرة، وستتأثر سمعة شركات مثل “رافائيل” و”إلبيت”، وقد تواجه صعوبات في الفوز بمناقصات مستقبلية داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي المقابل، قد تعزز إسبانيا صناعاتها الدفاعية المحلية عبر البحث عن بدائل أوروبية، مثل التعاون مع ألمانيا وفرنسا، بدلاً من الاعتماد على السوق الإسرائيلي.
وتمر العلاقات الإسبانية الإسرائيلية بمرحلة صدام مفتوح، إذ تعتبر إسرائيل هذه الإلغاءات “مسيسة” وتضر بأمنها القومي، وتتوقع تحليلات أن ترد تل أبيب بخطوات دبلوماسية، وربما اقتصادية، لكن خياراتها محدودة أمام التحول الأوروبي الأوسع.
ويُعد الشارع الإسباني من أكثر الشوارع الأوروبية تضامناً مع القضية الفلسطينية، وتصاعد ضغطه على الحكومة مع ارتفاع أعداد الضحايا في غزة، ورغم أن إلغاء الصفقات قد يؤثر على خطط تحديث سلاح الجو الإسباني، إلا أن مدريد تراهن على أن البدائل الأوروبية أو الأمريكية كافية لسد الفجوة، أما بالنسبة لإسرائيل فتعني هذه التطورات تقلُّص دائرة الشرعية التي طالما استخدمتها لتسويق صناعاتها العسكرية.