الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أزمة فول الصويا تضع ترامب أمام اختبار اقتصادي بمليارات الدولارات وسط تصاعد التوتر مع الصين

الاقتصاد العالمي | بقش

في خضم صراع تجاري متصاعد مع بكين، تقف الزراعة الأمريكية اليوم أمام واحدة من أعقد أزماتها منذ عقود. قطاع فول الصويا -العمود الفقري للصادرات الزراعية الأمريكية- يواجه انهياراً تدريجياً بفعل التعريفات الجمركية الانتقامية، ونقص العمالة، وتراجع الأسعار العالمية، فيما يحاول الرئيس دونالد ترامب احتواء الغضب الريفي عبر خطة إنقاذ مالية تتراوح قيمتها بين 10 و14 مليار دولار.

الأزمة ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية بامتياز، لأنها تمس قاعدة انتخابية محورية ساهمت في إعادة ترامب إلى البيت الأبيض عام 2024، وأي تعثر في احتواء التداعيات قد يتحول إلى عبء انتخابي واقتصادي في آن واحد، خصوصاً مع اقتراب موسم الحصاد الذي يُعد حاسماً للمزارعين.

تتزايد المؤشرات على أن هذه الأزمة الزراعية تشكل اختباراً حقيقياً لسياسات “أمريكا أولاً” التي ينتهجها ترامب. فبينما كان يُفترض أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى حماية الاقتصاد الأمريكي، وجد المزارعون أنفسهم في الخط الأمامي لحرب تجارية مكلفة، وسط تراجع الصادرات إلى الصين وارتفاع تكاليف الإنتاج إلى مستويات قياسية.

قطاع زراعي تحت الضغط… تكاليف مرتفعة وإفلاسات متصاعدة

تقدّر وزارة الزراعة الأمريكية أن إجمالي نفقات الإنتاج الزراعي سيبلغ 467.4 مليار دولار خلال عام 2025 وفق اطلاع بقش، بزيادة قدرها 12 مليار دولار عن العام الماضي. هذه القفزة في التكاليف تأتي في وقت تواجه فيه الصناعة الزراعية الأمريكية تحديات متعددة: رسوم جمركية انتقامية من الصين، اضطرابات في سلاسل التوريد، نقص العمالة المهاجرة، وتراجع أسعار السلع الزراعية الأساسية.

النتيجة كانت موجة من الإفلاسات الزراعية غير المسبوقة منذ عام 2021. بيانات المحاكم الفيدرالية تشير إلى أن النصف الأول من عام 2025 شهد تسجيل أعلى عدد من حالات إفلاس المزارع خلال أربع سنوات.

هذه المؤشرات لا تعبّر عن أزمة عابرة، بل عن تحول هيكلي يضغط على مزارعي الذرة والقمح والقطن، وبشكل خاص مزارعي فول الصويا الذين أصبحوا “الوجه الرمزي” للأزمة الاقتصادية الزراعية في عهد ترامب الثاني.

وزير الزراعة الأمريكي، بروك رولينز، أقرّ علناً بتدهور الأوضاع قائلاً: «ليس هناك شك في أن الاقتصاد الزراعي يواجه تحدياً كبيراً حالياً، خصوصاً مزارعي الصفوف لدينا. فول الصويا في الصدارة، لكن الذرة والقمح والقطن والذرة الرفيعة تعاني أيضاً» حسب قراءة بقش. هذه التصريحات تعكس حجم القلق داخل الإدارة الأمريكية نفسها من التداعيات الواسعة للأزمة.

خطة إنقاذ بمليارات الدولارات… البحث عن تمويل سريع

أمام هذا الوضع، يعمل البيت الأبيض على إعداد حزمة مالية ضخمة لإنقاذ القطاع الزراعي، تتراوح قيمتها بين 10 و14 مليار دولار، وفقاً لتسريبات اطلع عليها بقش لدى شبكة CNN. خلال الأسابيع الماضية، عقدت الإدارة سلسلة اجتماعات مشتركة بين وزارتي الزراعة والخزانة لوضع اللمسات النهائية على الخطة، مع التركيز على مصدرين رئيسيين للتمويل.

الخيار الأول يتمثل في منح المزارعين نسبة مئوية من عائدات التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات، وهي فكرة طرحها ترامب علناً مؤخراً حين قال: «لقد كسبنا الكثير من المال من التعريفات الجمركية، لدرجة أننا سنأخذ جزءاً صغيراً من هذه الأموال ونساعد مزارعينا، لن أخذلهم أبداً».

الخيار الثاني يعتمد على ما وصفه المسؤولون بـ”صندوق الطين” في وزارة الزراعة، وهو الاسم غير الرسمي لبرنامج المساعدة السلعية في حالات الطوارئ (ECAP)، الذي استخدمته الإدارة في مارس لتقديم 10 مليارات دولار كمدفوعات مباشرة للمنتجين الزراعيين المؤهلين للعام الزراعي 2024. ويجري الآن بحث إمكانية الدمج بين الخيارين لتأمين التمويل بسرعة.

فول الصويا… قلب العاصفة التجارية مع الصين

يمثّل فول الصويا أكبر صادرات زراعية أمريكية بقيمة تجاوزت 24 مليار دولار في عام 2024. لكن نصف هذه الصادرات تقريباً كان يتجه إلى الصين، التي أوقفت مشترياتها بالكامل منذ مايو الماضي رداً على تعريفات ترامب. فرضت بكين رسوماً جمركية بنسبة 20% على فول الصويا الأمريكي، ما جعل المحصول القادم من أمريكا الجنوبية أكثر تنافسية.

الضربة جاءت في توقيت كارثي بالنسبة للمزارعين الأمريكيين، إذ يتزامن الحظر الصيني مع موسم حصاد قوي. وفي الوقت الذي تُرك فيه المزارعون يبحثون عن أسواق بديلة، سارعت الصين إلى إبرام صفقات مع الأرجنتين والبرازيل لتأمين احتياجاتها. فقد اشترت “ما لا يقل عن 10 شحنات من فول الصويا الأرجنتيني” خلال الأسابيع الماضية، فيما أعلنت بكين وبرازيليا عن اتفاق في يوليو لتعميق التعاون الزراعي.

هذا التحول السريع في خريطة التجارة العالمية جعل المزارعين الأمريكيين يضغطون على إدارة ترامب لإبرام صفقة تجارية مع الصين في أسرع وقت. رئيس جمعية فول الصويا الأمريكية، كاليب راجلاند، صرّح الأسبوع الماضي قائلاً: «الصين هي أكبر عميل لفول الصويا في العالم وعادة ما تكون أكبر سوق تصدير لدينا. على الإدارة أن تؤمن اتفاقاً معها فوراً».

إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية والانتخابية، ترى إدارة ترامب أن دعم القطاع الزراعي قضية أمن قومي. أحد مسؤولي الإدارة قال: «نحن بحاجة إلى زراعة طعامنا. لا يمكننا الاعتماد على الواردات من البلدان الأخرى، وهذا يشكل مشكلة للأمن القومي. وفي الوقت الحالي، تدعم الحكومة الكثير من هذه العملية».

هذا الربط بين الزراعة والأمن القومي يعكس رؤية استراتيجية أوسع داخل الإدارة، تسعى إلى تقليل الاعتماد على الخارج، خاصة في ظل تصاعد التوتر مع الصين وتزايد التحديات الجيوسياسية. لكن هذه الرؤية تصطدم بواقع اقتصادي صعب يتمثل في اعتماد القطاع الزراعي على أسواق تصدير محددة وهيمنة الصين على الطلب العالمي على فول الصويا.

ومن هنا، يصبح الإنقاذ المالي ليس مجرد إجراء اقتصادي طارئ، بل جزءًا من استراتيجية إدارة الصراع التجاري مع الصين، ومحاولة لتفادي موجة غضب انتخابي من القاعدة الزراعية.

ضغط متزايد داخل البيت الأبيض… وقلق انتخابي

تُظهر الكواليس السياسية أن ترامب شخصياً يتابع الأزمة عن كثب. فقد انتشرت صورة لرسائل نصية بين وزيرة الزراعة بروك رولينز ووزير الخزانة سكوت بيسنت تكشف عن حالة “الذعر الداخلي” داخل الإدارة من تداعيات أزمة فول الصويا. ويؤكد مقربون من ترامب أنه يعتبر هذه الأزمة “قضية انتخابية كبرى”، وأنه يمارس ضغطاً شخصياً لتسريع إطلاق خطة الدعم.

كما أعلن ترامب أنه سيجعل فول الصويا «موضوعاً رئيسياً للنقاش» خلال لقائه المقبل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية الشهر المقبل حسب متابعات بقش، في محاولة لاستغلال القمة لانتزاع تنازلات تجارية يمكن تسويقها داخلياً كإنجاز سياسي واقتصادي.

الأزمة الزراعية الحالية ليست مجرد أزمة قطاعية، بل انعكاس مباشر لتأثير الحروب التجارية على الاقتصاد الحقيقي. خطة الإنقاذ بمليارات الدولارات قد تخفف الألم مؤقتاً، لكنها لا تعالج الأسباب البنيوية، وعلى رأسها الاعتماد الكبير على سوق واحدة (الصين) وارتفاع تكاليف الإنتاج داخلياً.

وبينما تسعى إدارة ترامب إلى الموازنة بين السياسة والاقتصاد، تبدو صناعة فول الصويا الأمريكية في قلب معركة كبرى قد تعيد تشكيل خريطة التجارة الزراعية العالمية، وتحدد في الوقت نفسه ملامح المواجهة الانتخابية المقبلة في الريف الأمريكي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش