
تقارير | بقش
في قطاع غزة تتواصل المجاعة التي تسببت فيها إسرائيل، وبلغ إجمالي عدد ضحايا سوء التغذية حتى اليوم الأحد 460 شخصاً بينهم 154 طفلاً، بينما تستمر عرقلة إدخال المساعدات وحرمان السكان من الغذاء والماء، في جريمة ممنهجة بحق المدنيين.
في غضون ذلك يحذر ترامب من أي تأخير في تنفيذ خطته بشأن قطاع غزة، وقال إن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ عند موافقة حماس على خط الانسحاب الأولي، مشيراً إلى أن إسرائيل وافقت بعد مفاوضات على خط الانسحاب الأولي الذي تم إطلاع حماس عليه.
جاء هذا التحذير رغم إصدار حماس بياناً الجمعة قالت فيه إنها توافق على الإفراج عن كل الأسرى أحياء وجثامين، وفقاً لخطة ترامب، وأبدت الحركة استعداداً فورياً للدخول من خلال الوسطاء في مفاوضات لمناقشة كل التفاصيل المتعلقة بتنفيذ الاتفاق، وكذلك تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين بتوافق وطني واستناداً لدعم عربي إسلامي.
ويتوجه وفد من حماس اليوم الأحد من الدوحة إلى القاهرة لعقد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وتشمل البنود الرئيسية للمقترح الأمريكي وقف إطلاق النار الفوري أو المتدرج، وإطلاق الأسرى جميعاً خلال 72 ساعة بعد الاتفاق، وانسحاب إسرائيل مؤقتاً إلى خط يُتفق عليه كجزء من وقف النار استعداداً لتنفيذ تبادل الرهائن وإعادة الخدمات. إضافةً إلى إدارة مؤقتة فنية تتولى الخدمات اليومية وإدارة الأوضاع الإنسانية حتى إعادة إعمار غزة. كما ينص المقترح على إرسال مساعدات كبيرة فورية وإعادة بناء البنية التحتية، المستشفيات، والأفران، وضمان حياة معيشية لآلاف المتضررين.
في المقابل قال نتنياهو اليوم الأحد إن إسرائيل لن تنتقل إلى أي بند من خطة ترامب قبل الإفراج عن كل المحتجزين في قطاع غزة، وأضاف وفق اطلاع بقش أن إسرائيل ستعود للقتال بدعم من الدول المعنية إذا لم يفرج عن المحتجزين بحلول المدة المحددة بالخطة الأمريكية (72 ساعة)، دون أن يشير إلى تلك الدول.
تدمير الاحتلال لقطاع غزة
يشهد قطاع غزة تدميراً وانهياراً تاماً في مختلف الجوانب الإنسانية والصحية والخدمية، وتشير تقارير منظمات الأمم المتحدة التي طالعها بقش إلى أن أقل من ثلث مشافي ما قبل الحرب تعمل جزئياً، والكثير من المستشفيات تعمل بطاقة محدودة أو أغلقت لقصور الإمدادات والكهرباء ونقص الكوادر والمخاطر الأمنية.
ويعاني الفلسطينيون من تقييد مشدد على دخول المساعدات من المعابر، ومن العمليات العسكرية القائمة التي تستهدف الفلسطينيين في مناطق التوزيع، والحظر المؤقت على بعض وكالات الإغاثة، وتعطّل شبكات التوزيع الداخلية. بينما تقول وكالات، مثل “وكالة الأونروا” إن وقف إطلاق النار سيتيح لها توفير المساعدات.
وفي أحدث التصريحات التي اطلع عليها بقش، قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن نسبة الدمار الذي أحدثه الاحتلال في القطاع بلغت 90% خلال عامين، وأكثر من 80% من مساحة غزة سيطر عليها الاحتلال بالاجتياح والنار والتهجير.
وألقى الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على القطاع، وقصف أو دمّر أو أخرج عن الخدمة 38 مستشفى، و268 ألف وحدة سكنية بشكل كلي. وقتل قرابة 76,639 فلسطينياً خلال العامين، مع فقدان 9,500 شخص.
ولم يصنع الإسرائيليون المجاعة في غزة فحسب، بل باتوا يسخرون منها أيضاً ويقللون من أهمية الأزمة الإنسانية، إذ يقوم منشئو المحتوى الإسرائيليون بإنتاج مقاطع فيديو فيروسية تسخر من معاناة الفلسطينيين في غزة.
مظاهرات عارمة في أوروبا
أمام هذه المأساة الكاملة، تصاعدت المظاهرات الأوروبية منذ أوائل شهر أكتوبر الجاري، احتجاجاً على استمرار الإبادة والحصار في غزة، واعتراض أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار والتهجم على سفنه واعتقال ناشطيه.
وامتدت هذه المظاهرات لتشمل عدة دول في جنوب ووسط أوروبا. في إسبانيا على سبيل المثال لا الحصر، يخرج عشرات الآلاف من الإسبان في مدن برشلونة ومدريد وفالنسيا وإشبيلية وقرطبة وغيرها، في مسيرات ضخمة، وأطلقت الحكومة الإسبانية مواقف قوية تحذر من استمرار العدوان، وناقشت فرض عقوبات على إسرائيل. وتشير متابعات بقش لتصريحات الشرطة الإسبانية إلى أن متظاهرين من الإسبان قاموا بتخريب متاجر لها صلات بإسرائيل خلال مسيرة في مدينة برشلونة.
وفي بلغاريا خرج الآلاف في العاصمة صوفيا، في أضخم مظاهرة احتجاجية منذ اندلاع الحرب على غزة. وجاب المشاركون وسط صوفيا وشارعها الرئيس تحت رقابة الشرطة وصولاً إلى مقر رئاسة الحكومة.
أما بريطانيا فقد قررت منح الشرطة سلطات أوسع لفرض قيود على الاحتجاجات، في وقت أشارت فيه وزارة الداخلية إلى أن المظاهرات الكبيرة والمتكررة المؤيدة للفلسطينيين أثارت “خوفاً كبيراً” في أوساط الجالية اليهودية.
وفرضت بريطانيا حظراً على حركة “فلسطين أكشن” وصنفتها كجماعة إرهابية، وهو ما أثار سخطاً كبيراً لدى قطاع واسع من البريطانيين، محتجين -بشكل متكرر- في الشارع البريطاني من فرض هذا الحظر على الحركة التي تأسست عام 2020 وذاع صيتها من خلال الأنشطة التي نفذتها في بريطانيا عقب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
واليوم الأحد، اعتقلت الشرطة البريطانية في لندن مئات من المتظاهرين المحتجين على تصنيف جماعة فلسطين أكشن جماعة إرهابية، وأصر المحتجون على التظاهر رغم دعوات من رئيس الحكومة ووزيرة الداخلية لإلغاء المظاهرات أو تأجيلها مراعاة لـ”حُزن اليهود” بعد الهجوم على كنيس مانشستر يوم الخميس الماضي,
وفي إيطاليا نُظّمت إضرابات عامة واسعة النطاق مؤيدة لغزة، شارك فيها ملايين الأشخاص في عدة مدن، وترافق ذلك مع مظاهرات ضخمة في روما وغيرها. وفي عواصم أوروبية أخرى مثل وباريس ولشبونة، شهدت شوارعها تجمعات داعمة للفلسطينيين.
وفي الدول الإسكندنافية والمجر والدول في شمال أوروبا، جرت احتجاجات أقل حجماً، في المدن الجامعية والمهاجرين والناشطين الحقوقيين. وفي هولندا كذلك تحدثت تقارير أن محتجي أمستردام وصلوا إلى مئات الآلاف مطالبين بموقف أكثر حزماً من الحكومة الهولندية تجاه إسرائيل.
وثمة شعور أوروبي عام وواسع النطاق بأن الحكومات الأوروبية متخاذلة أو متواطئة عبر مبيعات الأسلحة أو العلاقات الدبلوماسية، ما يدفع المتظاهرين للمطالبة بإجراءات ملموسة لا مجرد بيانات رمزية.
ومن المتوقع أن تستمر المظاهرات الأوروبية خلال الأيام المقبلة، خاصة في ظل استمرار المعاناة في غزة، ويمكن أن تستجيب بعض الحكومات جزئياً للمطالب برفع الحصار، أو تقديم دعم قانوني للتحقيق في الجرائم، أو اعتماد مواقف دبلوماسية أشد، لكن تحقيق التغيير الجذري يبقى مرهوناً بديناميات الصراع الدولي والتوازنات الكبرى والخطة المطروحة من جانب إدارة ترامب التي يعتبرها الأخير انتصاراً شخصياً له.