رسوم السفن بين أمريكا والصين تبدأ غداً الثلاثاء.. معركة تعيد رسم خارطة الشحن العالمي

الاقتصاد العالمي | بقش
دخلت الحرب التجارية بين أمريكا والصين مرحلة جديدة وأكثر خطورة، بعد انتقالها من ميدان الرسوم الجمركية التقليدية إلى أعالي البحار والمحيطات، عبر فرض رسوم الموانئ على السفن.
فاعتباراً من يوم غد الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، سيتعين على السفن المبنية في الصين أو التي تديرها أو تملكها كيانات صينية، دفع رسوم في أول ميناء أمريكي تتوقف فيه. وحسب تقديرات تتبَّعها مرصد “بقش” يمكن أن تبلغ الرسوم “مليون دولار” للسفينة التي تحمل أكثر من 10 آلاف حاوية، ويمكن أن ترتفع سنوياً حتى عام 2028.
وستواجه السفن التي تملكها أو تشغلها كيانات صينية رسوماً ثابتة قدرها 80 دولاراً لكل حمولة صافية في كل رحلة إلى الولايات المتحدة، وهذه الرسوم جاءت بدعوى مواجهة “هيمنة الصين” على قطاع بناء السفن والتجارة البحرية، كجزء من جهود أمريكية أوسع لإحياء صناعة بناء السفن المحلية وتقليص النفوذ البحري والتجاري لبكين.
الرد الصيني جاء سريعاً ومفاجئاً، بإعلان فرض رسوم باهظة على السفن الأمريكية أو تلك التي تمتلك فيها شركات أميركية حصة لا تقل عن 25%.
واعتباراً من يوم غد الثلاثاء أيضاً، ستواجه السفن الأمريكية التي تملكها أو تشغلها شركات وأفراد أمريكيون أو تلك التي بُنيت في أمريكا أو ترفع العلم الأمريكي، ستواجه رسوم موانئ إضافية على كل رحلة. وستُفرض على السفن الأمريكية التي تصل إلى الصين رسوم قدرها 400 يوان (56 دولاراً) لكل طن صافٍ، على أن ترتفع إلى 640 يواناً (90 دولاراً) في أبريل 2026.
عاصفة بحرية صينية
هذه الإجراءات فُسّرت على نطاق واسع باعتبارها تهدد شرايين التجارة البحرية العالمية، التي تشكّل العمود الفقري للتجارة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
وفق اطلاع “بقش” على تقرير جديد لـ”بلومبيرغ”، حذرت شركة “جيفريز” المالية الأمريكية من أن الرسوم الصينية الجديدة تهدد بشكل مباشر 16% من ناقلات المنتجات النفطية المكررة، و13% من ناقلات النفط الخام المملوكة أو الممولة جزئياً من قبل شركات أمريكية.
وقد تصل الرسوم على ناقلة نفط عملاقة إلى 6.2 ملايين دولار، في حين قد تتحمل السفن العملاقة لنقل الفحم والحديد رسوماً تصل إلى 3.8 ملايين دولار، وسفن الحاويات المتوسطة نحو 180 دولاراً إضافياً لكل حاوية قياسية (20 قدماً).
هذا الارتفاع الكبير في التكلفة خلق حالة ارتباك وفوضى في سوق الشحن العالمي، حيث سارعت شركات كبرى مثل “ميرسك” الدنماركية للشحن إلى مراجعة رحلاتها نحو الموانئ الصينية، فيما بدأت شركات وساطة الشحن بتعليق أو تأجيل الحجوزات مؤقتاً حتى تتضح الصورة القانونية والاقتصادية.
لماذا التصعيد البحري؟
يُقرأ التصعيد البحري بين واشنطن وبكين بوصفه ناتجاً عن عدة عوامل أبرزها هيمنة الصين على قطاع بناء السفن والتجارة البحرية، على نحو يثير القلق الأمريكي.
إذ تمتلك الصين نحو 50% من إجمالي الطاقة الإنتاجية العالمية لبناء السفن، وتدير قرابة ثلث الموانئ العالمية الكبرى، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا استراتيجياً لأمنها الاقتصادي.
وجاءت الرسوم الأمريكية التي فُرضت على السفن الصينية في أبريل 2025، ضمن حملة “إعادة التوازن التجاري” وفق مراجعة بقش، التي يسعى ترامب من خلالها إلى إجبار الشركات على إعادة نشاطها الصناعي إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن هناك قلقاً أمريكياً من سعي الصين لترسيخ نفوذها في طرق التجارة البحرية عبر مبادرة “الحزام والطريق”، بينما تحاول واشنطن إعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية لتقليص الاعتماد على الموانئ الصينية وممراتها.
تأثيرات على قطاع الشحن
في التأثيرات الفورية، ارتفعت تكاليف الشحن البحري بنسبة تراوحت بين 12 و18% على الأقل خلال أيام قليلة، وفق تقديرات تابعها بقش من مراكز النقل البحري في سنغافورة وهونغ كونغ.
وتعطلت رحلات بحرية نتيجة إعادة حساب المسارات لتجنب الموانئ الصينية، مع تزايد مخاطر التأخير في تسليم السلع الأساسية كالنفط والحديد الخام والمنتجات الزراعية، خصوصاً بين آسيا وأمريكا الشمالية. وذلك يُضاف إلى تذبذب أسعار النفط بسبب تأثر سلاسل الإمداد، حيث تعتمد الأسواق الآسيوية بشكل كبير على ناقلات تمر عبر الموانئ الصينية.
وعلى المدى القريب يُتوقع أن تتسع رقعة الخسائر في قطاعات النقل والتجارة، خصوصاً لدى الشركات التي تعتمد على خطوط الشحن العابرة للمحيط الهادئ. أما على المدى المتوسط والبعيد، فستكون الآثار أكثر عمقاً، حيث يمكن أن يعيد هذا التوتر البحري رسمَ خريطة الشحن العالمية.
فقد تتجه الشركات إلى موانئ بديلة، في كوريا الجنوبية وسنغافورة والهند، لتجنّب الرسوم الصينية، وهو ما قد يغير موازين القوة في قطاع النقل البحري.وقد يؤدي ارتفاع تكاليف الشحن إلى ارتفاع أسعار السلع النهائية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ النمو وتراجع الطلب، إلى جانب تهديد النظام التجاري متعدد الأطراف، فاستمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين من شأنه أن يفكك نظام التجارة العالمية القائم، ويحوّله إلى نظام قائم على التحالفات الثنائية أو الإقليمية.
ومن الممكن أن يُعرقل فرضُ الرسوم على ناقلات النفط تدفُّقَ الإمدادات ويُربكَ أسواق الطاقة، خصوصاً في حال توسعت الصين أو أمريكا في فرض قيود إضافية.
في المجمل، يمثل صراع رسوم السفن بين أمريكا والصين فصلاً جديداً في الحرب التجارية المستمرة منذ 2018، لكنه أخطر من كل ما سبق، لأنه يهدد الركيزة الأساسية للتجارة العالمية: حرية الملاحة وسلاسة الشحن الدولي. وفي هذه الأثناء، ثمة حاجة دولية إلى احتواء التصعيد، ما لم فسنشهد في السنوات القادمة إعادة تشكيل كاملة لخريطة التجارة البحرية العالمية، بما ينذر بتكلفة اقتصادية وجيوسياسية باهظة.