عدن: صرف راتب واحد ومخصوم منه أيضاً.. وضع معيشي قاهر يكاد ينفجر في وجه الحكومة

الاقتصاد اليمني | بقش
بتأخير الرواتب أو بصرفها، لا تتوقف معاناة الموظفين اليمنيين، إذ سيطرت على الموظفين خيبة الأمل والتذمر الشعبي الواسع من صرف “راتب واحد” من أصل أربعة رواتب متأخرة، وهو ما ضاعف معاناتهم إزاء متطلبات العيش المتراكمة والديون الهائلة التي تنتظر سدادها.
وتواصل حكومة عدن صرف راتب شهر يوليو 2025 للمدنيين، وراتب يونيو للعسكريين، عبر عدد من البنوك التجارية. ومن خلال تتبُّع مرصد “بقش” لعملية صرف الرواتب، لم يتم صرف رواتب ثلاثة أشهر للمدنيين دفعة واحدة إلا في حالات نادرة، مثل رواتب منتسبي مستشفى الرازي العام في محافظة أبين الذين تسلموا رواتب أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر.
كما أعلنت الدائرة المالية للقوات المسلحة الجنوبية عن صرف رواتب شهري يوليو وأغسطس 2025 لضباط وصف ضباط وجنود القوات المسلحة الجنوبية.
خصومات من الراتب الوحيد
ورغم صرف راتب شهر واحد فقط، إلا أن هذا الراتب لم يَسلم من الخصومات. فقد عَلِم مرصد “بقش” أنه تم الخصم من رواتب العديد من جنود الألوية العسكرية التابعة لوزارة الدفاع (التي تُصرف عبر بنك القطيبي) بحجة أن البعض منهم لا يُداوم. ويبلغ الراتب الأساسي للجندي 60 ألف ريال، تم استقطاع 10 آلاف منه في بعض الحالات ليتبقى 50 ألف ريال، في حين تم تسليم العديد من الجنود 30 ألفاً أو 25 ألفاً فقط، بعد إجراء الاستقطاعات والخصومات.
كما يُستغرَب الاستقطاع والخصم من الراتب الوحيد في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطنون، الذين يطالبون بدورهم برفع رواتبهم أصلاً، إلا أن الإجراءات الحكومية أكثر حدةً من أصوات المواطنين.
وفي محافظة أبين، على سبيل المثال لا الحصر، عبّر عسكريون عن غضبهم من صرف راتب واحد، ويتم الخصم منه أيضاً، لأن ذلك يضعهم في موقف صعب أمام أصحاب الديون والمحلات التجارية، بعد أشهر من انتظار مستحقاتهم المتأخرة. وأكدوا أن صرف راتب واحد لا يسد بالأساس أبسط الاحتياجات، وأنهم كانوا بانتظار صرف رواتب شهرين على الأقل كما أعلنت الحكومة في وقت سابق، قبل أن تتراجع وتكتفي بشهر واحد فقط.
وكانت حكومة عدن، في وقت سابق من أكتوبر الجاري، أعلنت عن صرف الرواتب المتأخرة، وقالت أيضاً إنها تعمل على خطة لضمان انتظام صرف الرواتب وتصفية الأشهر المتأخرة. ولم تحدد الحكومة وفق اطلاع بقش ما إذا كان سيتم صرف راتب شهر أو أكثر، إلا أن أمل الموظفين كان منصبّاً على صرف رواتب أكثر من شهر، وعلى الأقل رواتب شهرين.
وأكد العسكريون من أبين أن رواتبهم لا تتجاوز 60 ألف ريال، وتم استقطاع 10 آلاف منها، وهو ما جعل المتبقي لا يكفي حتى لتأمين احتياجات أُسرهم الأساسية، وأن الحكومة تضعهم في ورطة بينما ينتظر الدائنون تسلُّم أموالهم.
استخراج بطاقة إلكترونية بقيمة نصف راتب
وما يزيد الطين بلّة هو أن المالية في الوقت الراهن تطالب المواطنين باستخراج البطاقة الإلكترونية كشرط لاستلام راتب شهر أغسطس الذي يتم الحديث عن أنه سيُصرف خلال الأسبوع المقبل، دون وجود معلومات تؤكد ذلك.
وتؤكد مصادر لـ”بقش” أن راتب أغسطس، ومن بعده راتب سبتمبر، لن يتم صرفهما لأي مدني أو عسكري ما لم يكن بحوزته البطاقة الإلكترونية.
لكن استخراج البطاقة الإلكترونية بحد ذاتها يحتاج إلى راتب. إذ أكد موظفون لـ”بقش” أن قيمة استخراج هذه البطاقة تصل إلى 25 ألف ريال، وتتجاوز هذا المبلغ إذا ما أراد الموظف تسريع إجراءات استخراجها، قائلين إن ذلك يعني أن الموظف مفروض عليه إنفاق راتبه أو أكثر من نصف راتبه لاستخراج البطاقة.
ويطالب المدنيون والعسكريون بصرف الرواتب دفعة واحدة، وعدم تحميلهم نتائج فشل الحكومة في إدارة الدولة والموارد وتسرُّب إيرادات المؤسسات الإيرادية التي تمتنع عن التوريد إلى خزينة الدولة، كون هذا الملف انعكس بشكل سلبي للغاية على عملية صرف الرواتب للقطاعين المدني والعسكري.
لكن بنفس الوقت، ينتقد الموظفون استمرار ضخ حكومة عدن رواتب وحوافز وإعاشات مسؤوليها في الخارج بالعملة الصعبة، وفقاً لكشوفات تم تسريبها أبرزها “كشوفات الإعاشة” التي أظهرت وفق تقارير “بقش” أنّ الحكومة تنفق قرابة 12 مليون دولار شهرياً على عدد من مسؤوليها وإعلامييها وناشطيها في الخارج بالدولار شهرياً، وبمبالغ تصل إلى 7,000 دولار لبعض الشخصيات، أو تزيد في بعض الحالات.
وثمة من لم يستلموا أي رواتب منذ أربعة إلى خمسة أشهر حتى الآن. ففي محافظة حضرموت، مثلاً، يشكو معلمون من انقطاع رواتب خمسة أشهر بينما يواصلون التدريس دون أي مستحقات، وهو ما ضاعف من معاناتهم المعيشية وسط تفاقم الالتزامات والمديونيات.
مقدمة للانفجار
ربما يكون ملف صرف الرواتب وما يشوبه من اختلالات وتعقيدات وخصومات و”ظُلم” للمدنيين والعسكريين، مقدمة لانفجار شعبي وشيك في وجه الحكومة.
فأمام الضغوط المعيشية، يرى المواطنون أن الحكومة لم تُحدث أي تغييرات إيجابية في ما يخص الوضع المعيشي، رغم انخفاض سعر الصرف وتحسن قيمة الريال بنسبة 40% وبلوغه 1,600 ريال مقابل الدولار الواحد منذ نهاية شهر يوليو.
ويهدد الواقع المُر باندلاع احتجاجات شعبية في الشارع اليمني بمحافظة عدن والمحافظات المجاورة، باعتبار ملف الرواتب يمس حياة المواطنين وأُسرهم، وسط تدهور الخدمات العامة بالأساس وتفاقم أزمة انقطاع الكهرباء والمياه.
وفي سياق الإصلاحات الاقتصادية الحكومية، التي يرى المواطنون أنها منقوصة ولم تُثمر بتحسن فعلي على أرض الواقع، عقد محافظ بنك عدن المركزي “أحمد غالب” اجتماعاً مع رئيسة بعثة “صندوق النقد الدولي” لليمن، إيستر بيريز، على هامش فعاليات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين لعام 2025.
وتناول الاجتماع، وفق اطلاع بقش على موقع البنك المركزي، تمكين حكومة عدن من الاستفادة من برامج التمويل الطارئة للصندوق، في إطار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية المطلوبة من قِبل الصندوق.
وحتى يحدث تغيير فعلي على الأرض، تبقى التساؤلات مطروحة: كيف يخفف المواطن من أعبائه المعيشية في ظل فشل إداري حكومي بالغ؟ وهل تتحول خيبة أمل الرواتب إلى تحركات غاضبة ضد الحكومة؟